Page 31 - merit 52
P. 31
29 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
الله عليَّ ببعض المال ،وأعدت ترميم النسخة وتجليدها العائلات ،لغاية التنزه والترفيه والاحتفال بعيد
بشكل مقارب لتاريخها ولونها القديم ،فكرت أن النيروز .ولم يشذ الأعرج عن سابقيه في الاهتمام،
بالمواقع الأثرية والساحات العامة ،في سيرته الذاتية،
أعيدها إلى مكانها بجانب النسخ التسع التي اشتريتها وفي إبراز تأثيرها في علاقته بالجماعي ،وفي فضحه
من القرآن الكريم»( .)32وهذا السلوك ُيؤكد أن المكان
ُيؤثر في الإنسان ،ويضبط علاقته بالجماعي .مثلما للثقافة المعادية للحياة والجمال والفن .فقد ركز
أن العلاقة الرابطة بين الفردي والجماعي ُتؤثر اهتمامه ،على تمثال «الموليما» في شارع الحرية بمدينة
في المكان ،عبر صيانته والمحافظة عليه ،وفي ذلك
صيانة للتاريخ المشترك ،الذي ُيعمق الروابط الثقافية لالة ُمغنية ،مقارنا بين ماضيه وما آل إليه وضعه
والاجتماعية بين الفردي والجماعي. بعد الاستقلال .فقد كان يفيض بجماله على ساحة
لقد ف َّعلت السيرة الذاتية العربية المعاصرة المكان، المدينة ،في العهد الاستعماري ،لكنه تحول إلى حطام،
وجعلته ُمعب ًرا عن الهوية الفردية لكاتب سيرته بعد أن هشمه رئيس البلدية ،بحجة تصفية الإرث
الذاتية ،في تشابكها مع الجماعي ،الذي عايشته الاستعماري ،لقوله« :وعندما تتالت ضربات التراكس
وتعالقت معه ،حتى أضحى عنوانها الأبرز والمعبر سقطت سيدة الرخام على فمها ،بكل عنف وبشكل
عن مجمل مشاغلها .وقد كشف المكان بخصائصه جاف ،فتحول جسدها إلى ذرات من الرخام الأبيض
المميزة ،كالانفتاح والانغلاق والضيق والاتساع،
والقدامة والحداثة ،والشكل الخارجي والمحتوى، ( )..نزل بعدها رئيس البلدية تحت التصفيقات
والمظهر والوظيفة ،أسرار التعالق بين الفردي والزغاريد والأناشيد الوطنية»( .)30وبسبب خطره
والجماعي ،في هذا المنجز الأدبي المعاصر. على أخلاق المسلمين ودينهم ،وكثي ًرا ما أرقه حال
إجمالا ،أثبت المكان السيرذاتي فاعليته ،في العلاقة مدينة قذرة غارقة في الأوحال وأكوام القمامة ،وآلمه
الرابطة بين الفردي والجماعي في السيرة الذاتية مصير بلدة باهتة ،بلا إنارة أو حدائق أو منتزهات،
العربية المعاصرة ،ووسع دوائر تفاعلها ،وضاعف أوخالية من التماثيل ،وكل مظاهر الفن والجمال.وقد
من شبكات تعالقها ،تواص ًل وصرا ًعا .وعبر عما اعتبر الباحث مشاري بن عبد الله النعيم ،أن مثل
يعتمل فيها من تفاعلات ،بين منظومة قيمية تقليدية، هذا السلوك ،الذي أتاه رئيس بلدية لالة مغنية ومن
وأخرى حديثة .كما كان المكان منفع ًل بهذه العلاقة معه ،والمتمثل في تصفية الإرث الثقافي الاستعماري
بين الفردي والجماعي ،بما يزيده تجدي ًدا وتطوي ًرا، بعد الاستقلال ،راجع إلى الهوية الثقافية المترددة
و ُيؤهله لاحتضان حداثة عربية حقيقيةُ ،متجذرة The Hesitant Urban Identityالتي ترفض القيم
في أصالتها ،ومنفتحة على المستجد من الحضارة الثقافية المستوردة التي فرضها المستعمر ،بسبب
الإنسانية ،فتتسع لاحتضان الفردي والجماعي تعارضها مع القيم والمعتقدات القديمة ،التي ترسخت
و المرأة والرجل ،على أساس المساواة في المواطنة. في الأذهان ،وتجسدت في السلوك ،فيقول معل ًل ذلك:
ويتجدد فيه الماضي ،في ضوء احتياجات الحاضر «لأن المجتمع نفسه لم يصنع التغيير .بل تم استيراده
وتطوراته ،وتنسجم فيه حداثة المعمار بسلامة البيئة، من الخارج أو فرض على المجتمع بالقوة»( .)31وقد
وتجتمع فيه مظاهر العمران بعناصر الجمال .ولقد رأى واسيني الأعرج ،في إهمال الجماعي للمواقع
خلدت السيرة الذاتية العربية المعاصرة المكان ،حينما الأثرية في العاصمة ،كالميناء القديم والقلعة وسجن
أدرجته في نسيجها الفني ،وجعلته بانيًا للهوية الميناء ،الذي اعتقل فيه سرفانتس ،والجامع والسوق
الفردية لكاتبها ،في تعالقها مع الجماعي ،بمختلف خط ًرا ُمحد ًقا على ترابط الأجيال ،وضر ًبا من المحو
أنواعه ومستوياته والتفكك ،الذي يضعف الروابط الثقافية بين الفرد
ومجتمعه .ولتعميق صلته بالمكان ،الذي احتضن
طفولته ،وجمعه بأترابه في القرية لحفظ القرآن،
عمد إلى ترميم المدرسة القرآنية بقريته ،على نفقته
الخاصة ،ووسعها وجدد مكتبتها ،وصان محتوياتها
القديمة« :بعد أن رمم ُت المدرسة القرآنية عندما أنعم