Page 29 - merit 52
P. 29
27 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
مشاري بن عبد الله النعيم أن
الإنسان يستخدم الشكل
المعماري ،للدلالة على هويته
الثقافية لقوله« :فالإنسان
يحتاج إلى أن يعبر عن
هويته عبر الأشكال»(.)24
ويعبر التناظر بين الجامع
والكنيسة ،في شارع
الجمهورية ببغداد وتماثل
طرازهما ،عن الهوية
الثقافية والدينية لبغداد،
بلاد الهلال والصليب،
وعن الهوية الثقافية
لثورة تموز 1958التي
ترى في الجمهورية بدي ًل
عبد الرحمن مجيد الربيعي محمد دكروب واسيني الأعرج للملكية ،وفي الانفتاح
بدي ًل للانغلاق ،وفي تعدد
لم تشذ المؤسسات الثقافية ،من مكتبات لبيع الكتب الإثنيات والأديان مقو ًما أساسيًّا من مقومات الهوية
كمكتبة «ديزني» في بغداد ،ومكتبات عمومية ،ونوا ٍد الثقافية والسياسية ،لأن« :العمارة وسيلة للخطاب
أدبية وصالونات فنية ،وقاعات السينما ،والمقاهي غير اللفظي»( .)25فالعمارة تعبر عن الهوية الثقافية،
الثقافية ،عن المؤسسات السابقة ،في احتضان الفردي
والجماعي ،والتعبير عن المنظومة القيمية الاجتماعية، و ُتعرف بالذات الحضارية وتجعل منها وسيلة،
التي تفرضها هذه الأفضية ،على العلاقة بين الفردي لمخاطبة الآخر .وغير بعيد عن ذلك ،دخل جبرا
والجماعي .فقد كانت فردية جبرا هي عنصر الوصل
بين مجموعة ثقافية وأخرى .وذلك من خلال تعالقه المسيحي إلى قبة الصخرة ،ل ُيؤكد انفتاحه وتسامحه،
وليبين أن الدين لا يمكن أن يعيق الإنسان ،وي ُحول
مع الشعراء والقصاصين والروائيين والنقاد،
والموسيقيين والرسامين والنحاتين والسينمائيين دون سعادته .وكذلك الشأن بالنسبة إلى واسيني
والمسرحيين ،ومع أهل الفكر من باحثين ،في التاريخ
وعلم النفس والاقتصاد ،ومع المهندسين المعماريين الأعرج ،الذي لا يرى في الكنيس والكنيسة والجامع
والمهتمين بالحفريات الآثارية ،في الإفادة منهم، إلا فضا ًء روحيًّا ،تتجلى فيه علاقة الفرد بربه .وقد
وإفادتهم عبر التواصل معهم ،ومجادلتهم في أمور أشار بذكاء في سيرته الذاتية ،وتحدي ًدا في تجربة
تتعلق باختصاصاتهم ،وفي مسائل أخرى متفرقة. اعتماره ،أن الحرم المكي قد أضحى قبلة سياحية
ولقد أشار في «شارع الأميرات» إلى أن بيته الصغير،
في بغداد الذي تزين جدرانه اللوحات الزيتية ،كان وتجارية متميزة .فلم يجد في مكة ما يدل على آثار
مجا ًل رحبًا ،لالتقاء الفردي بالجماعي« :تلك الغرفة
التي زين ُت جدرانها بلوحات زيتية كنت رسمتها في الماضي الروحي ،لخلوها من تراثها المعماري الذي
القدس وبيت لحم ،مع لوحات جديدة أخذت تتزايد،
كان ،واستبداله بالعمارات الشاهقة ،والطرقات المبلطة
كانت ملتقى للعديد من أنبه أدباء العراق وفنانيه
بالرخام الأبيض ،لقوله« :لم أر وأنا أسعى بين الصفا
والمروة ( )..إلا رج ًل ذا لحية سوداء كثة .تأملني
بعينين فارغتين ،وأمرني بلملمة فوطة الإحرام على
ظهري ،والسير مستقي ًما ،وعدم الالتفات ،أو التوقف
طوي ًل»( ،)26وقد انتزعت الطفرة النفطية وأوهام
التحديث منها طاقتها الروحية ،وقداستها وعمقها
الحضاري والتاريخي.