Page 28 - merit 52
P. 28

‫العـدد ‪52‬‬   ‫‪26‬‬

                                                      ‫أبريل ‪٢٠٢3‬‬

      ‫مع طلبته وزملائه وزميلاته‪ ،‬في إعداد البرامج‬     ‫الفني‪ .‬ويؤكد الربيعي بدوره‪ ،‬أنه ثمرة جهد ُمدرسين‬
    ‫والمناهج‪ .‬وعبر النشاط الجامعي لجبرا عن طاقة‬           ‫مثابرين من أبرزهم علي الشبيبي‪ ،‬الذي تفطن إلى‬
    ‫حيوية‪ ،‬وفاعلية ثقافية في التواصل مع الجماعي‪،‬‬
‫عبر تركيز النوادي الفنية‪ ،‬كنوادي الرسم والموسيقى‬        ‫مواهبه ورسخ فيه حب الأدب‪ ،‬لقوله‪« :‬من المعلمين‬
     ‫والسينما وتنظيم المحاضرات والمعارض الفنية‪،‬‬          ‫الذين كان لهم الدور الأول في اكتشاف استعدادي‬
     ‫في المؤسسات الجامعية‪ ،‬وما في ذلك من تشبيك‬        ‫الأدبي والفني بشكل مبكر المرحوم علي الشبيبي»(‪.)18‬‬
   ‫للعلاقات بين الفردي والجماعي من جهة‪ ،‬وتأهيل‬        ‫ولا يشذ واسيني الأعرج عن ذلك‪ ،‬في الاعتراف بدور‬
    ‫للجامعة لتؤثر في المجتمع‪ ،‬وترتقي بذوق الشعب‬          ‫أستاذ الفرنسية مسيو دريوو‪Monsieur Derbot‬‬
 ‫ووعيه من جهة أخرى‪ .‬بدليل قول جبرا‪« :‬في كل من‬          ‫الذي بنى فرديته المعرفية‪ ،‬ورسخ فيه قيم التواصل‬
   ‫هذه الكليات كنت أساهم في نشاطات الطلبة الذين‬       ‫والانفتاح والتسامح‪ ،‬حتى أضحى النقيض الإيجابي‪،‬‬
     ‫أنشأت لهم جمعية للمناظرات‪ ،‬بالعربية وأحيانا‬        ‫الذي انتشله من ضيق أفق المُعلم المتزمت والمنغلق‪،‬‬
 ‫بالإنجليزية وأخرى للمسرح وثالثة للموسيقى»(‪.)21‬‬       ‫الذي عنفه‪ ،‬بسبب حبه لسرفانتس ‪Cervantes‬مبدع‬
 ‫غير أن المؤسسة الجامعية التي ُتمثل قاطرة الحداثة‬        ‫دونكيشوت‪ Don Quichotte ،‬لقوله‪« :‬صحيح أنا‬
     ‫في المجتمع‪ ،‬لم تسلم من هيمنة المنظومة القيمية‬     ‫أدين لمسيو دريوو ‪ Monsieur Derbot‬بالكثير»(‪.)19‬‬
‫التقليدية‪ ،‬المقاومة لكل تجديد‪ ،‬والرافضة لكل تحديث‪،‬‬
    ‫بسبب الخوف من الأجنبي‪ ،‬والتهيب من الغريب‪،‬‬              ‫مثل الفضاء المدرسي‪ ،‬باتساعه ورحابته وتعدد‬
 ‫والمحافظة على الشرف والأخلاق والعفة‪ .‬فقد فوجئ‬            ‫محتوياته وحداثتها‪ ،‬نقي ًضا إيجابيًّا لضيق البيت‬
‫جبرا بتهجم أحد الشيوخ المُعممين عليه‪ ،‬أثناء إشرافه‬       ‫العائلي وتواضعه وقدامة أثاثه وبساطته‪ .‬فأضحى‬
     ‫على إحدى المحاضرات‪ .‬و ُفجع بإنهاء عقد عمله‪،‬‬          ‫مجا ًل خصبًا لإحساس الفردي بذاته وباختلافه‪،‬‬
   ‫بسبب علاقاته النسائية‪ ،‬وكثرة ظهوره مع زميلته‬           ‫وبتميزه عن الجماعي من أترابه‪ .‬فمثَّل هذا المكان‬
  ‫العراقية لميعة‪ ،‬لقوله على لسان العميد الدكتور عبد‬    ‫مجا ًل خصبًا‪ ،‬لإظهار ميولاته واستعداداته ومواهبه‬
  ‫العزيز الدوري‪« :‬أنت والست لميعة يا أستاذ بالغتما‬    ‫الفردية‪ .‬وقد أسهم بعض المدرسين الجيدين في تنمية‬
‫بالصراحة في الظهور م ًعا في كل مكان‪ ،‬كنت أرجو لو‬        ‫الفردي‪ ،‬وذلك بصقل موهبته ودعم ميولاته وإبراز‬
  ‫أنكما تسترتما قلي ًل»(‪ ،)22‬وبسبب تأثيره العميق في‬
                                                                                               ‫تميزه‪.‬‬
                                        ‫الطلاب‪.‬‬            ‫يستمر هذا التواصل بين الفردي والجماعي‪ ،‬في‬
    ‫لم ُتختزل علاقة الفردي بالجماعي في المؤسسات‬          ‫المؤسسة التعليمية الجامعية أثناء الدراسة‪ .‬وما في‬
                                                         ‫ذلك‪ ،‬من تحقيق للتعارف وتجسيد للتواصل‪ ،‬بين‬
         ‫التعليمية‪ ،‬بل تعدتها إلى المؤسسات الدينية‪.‬‬   ‫المترجم لذاته وزملائه وأساتذته‪ ،‬ومن تذليل للفوارق‬
   ‫فالربيعي‪ ،‬أثناء زيارته الأولى إلى بغداد‪ ،‬تردد على‬  ‫الجهوية والدينية والمعرفية والطبقية‪ .‬ورغم كل ذلك‪،‬‬
                                                         ‫ُيؤكد الربيعي أن النظام التعليمي الجامعي ُيكرس‬
     ‫أضرحتها ومراقدها ومعالمها السنية والشيعية‪.‬‬          ‫نظام الفصل بين الجنسين‪ ،‬ويفرض على الطالبات‬
  ‫ووقف طوي ًل أمام الجامع والكنيسة‪ ،‬لقوله‪« :‬ومن‬          ‫في الجامعة الواحدة لبس العباءة‪ ،‬وعدم الاختلاط‪:‬‬
                                                         ‫«كانت المدارس غير مختلطة إلا في الجامعة‪ ،‬ولكنه‬
     ‫يزور بغداد ويمر بشارع الجمهورية مث ًل‪ ،‬وهو‬
  ‫ثاني أوسع شارع تجاري فيها بعد شارع الرشيد‪،‬‬                 ‫اختلاط وليس اختلا ًطا في الآن نفسه»(‪ .)20‬إن‬
  ‫سيرى جامع الخلفاء الشهير في جانب من الشارع‪،‬‬           ‫الجامعة العراقية فضاء يتجلى فيه التفاوت الطبقي‪،‬‬
                                                        ‫والتعالي المعرفي والفني‪ ،‬مما ُيؤكد أن حداثة المدينة‬
    ‫وأمامه مباشرة في الجهة الثانية من الشارع تقع‬
   ‫كنيسة كانت تسمى كنيسة اللاتين‪ .‬ولكن المسألة‬             ‫العربية هي حداثة سطحية وظاهرية‪ .‬لم يتطابق‬
  ‫ليست هنا فقط‪ ،‬بل إن ك ًّل من الجامع والكنيسة قد‬        ‫فيها الظاهر بالباطن‪ ،‬بسبب هيمنة القيم الجماعية‬
   ‫بنيا على طراز واحد‪ ،‬وفي فترة واحدة»(‪ ،)23‬ل ُيؤكد‬
                                                            ‫الموروثة وثقلها‪ .‬ويتدعم التواصل بين الفردي‬
      ‫انفتاحه‪ ،‬وتواصله مع الجميع‪ ،‬وإفادته من هذا‬         ‫والجماعي‪ ،‬عبر التدريس في الجامعة‪ .‬حيث كشف‬
  ‫التنوع الديني‪ .‬وفي هذا السياق نفسه‪ ،‬يرى الباحث‬          ‫النشاط الجامعي لواسيني الأعرج‪ ،‬عمق تواصله‬
   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32   33