Page 101 - merit 53
P. 101

‫‪99‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة في تونس‬

     ‫بانت القرية متشبثة بالجبل عازمة على الحياة‪.‬‬
  ‫لم يتغير وجهها كثي ًرا ولكن هيئة الأهالي تغيرت‪.‬‬
    ‫وكأنهم شربوا من نهر العولمة فأصبحوا نس ًخا‬
 ‫إلكترونية متشابهة بوجوه تتشارك في لون واحد‪.‬‬
  ‫بلغنا المكان المطلوب‪ .‬توقفت الحافلة أمام المدرسة‬
‫التي بدورها خضعت لتغييرات خلال هذه السنوات‬
  ‫إذ تمت إضافة قاعات جديدة وإنشاء ملعب كبير‪.‬‬
 ‫تجول التلاميذ في المدرسة تصافحوا مع تلاميذها‪.‬‬

                                   ‫تعرفوا إليهم‪.‬‬
        ‫دونوا ما أرادوا من حكايات وملاحظات في‬

                                       ‫دفاترهم‪.‬‬
‫أعلن مدير المدرسة عن فترة استراحة للقيام بواجب‬

                                       ‫الضيافة‪.‬‬
              ‫انسحبت لتجميع تلاميذي وتفقدهم‪.‬‬
     ‫أشرت لهم بالدخول إلى أحد الفصول الذي تم‬
   ‫وضع الحلويات والعصائرعلى طاولة كبيرة فيه‪.‬‬
      ‫غصت القاعة‪ .‬انتهزت الفرصة‪ .‬سألقي نظرة‬
        ‫سريعة على منزلنا وعلى منزله‪ .‬خرجت من‬
‫المدرسة‪ ،‬صعدت طريقا ملتوية وراءها‪ .‬كلما تقدمت‬
 ‫أكثر إلا و َه َف ْت نفسي إلى نفسي أبحث عن انعكاس‬
‫صورة روحي على صفحات الذاكرة‪ .‬عانقت منزلنا‪.‬‬
‫لا يبدو أنه مسكون‪ .‬يلفه رداء ال ِق َد ِم و الخذلان‪ .‬هل‬
 ‫هجره مالكوه الجدد نحو المدينة مثلما فعلنا نحن؟‬

                               ‫مسكين يا منزلنا!‬
                                ‫واصلت سيري‪.‬‬

  ‫وأخي ًرا منزل جارنا صاحب القبلة الدافئة أمامي‪.‬‬
  ‫المكان موحش وقلبي يضاجع خيبة الأمل‪ .‬لم يب َق‬

      ‫من منزله سوى ركام وأطلال غرف كانت قد‬
   ‫ُشي َد ْت بالأحجار الصفراء الرملية‪ .‬من وراء هذه‬
    ‫الآثار ينبعث دخان أبيض طالما طاردته ورائحة‬

                           ‫مميزة‪ .‬رائحة الص َغ ِر‪.‬‬
   ‫تبينت الأمر‪ .‬لقد كان فر ًنا كبي ًرا للحطب على أحد‬
   ‫جنباته ثقب كبير تبدو النيران مشتعلة تتراقص‬
  ‫فيه‪َ .‬س َد ْد ُت الثقب بالتراب سري ًعا حتى لا يضيع‬
    ‫الحطب رما ًدا تذروه الرياح‪ .‬أوه لا! على الجانب‬
‫الآخر ثقب أكبر! هممت بسده وتغطيته جي ًدا‪ .‬انفتح‬
 ‫ثقب آخر‪ .‬كلما سددت ثقبا ينفتح ثقب أكبر‪ .‬ظللت‬
 ‫أطوف بفرن الحطب حتى انزلقت قدماي فانسدت‬

                 ‫جميع الثقوب تحت ثقل جسدي‪.‬‬
   96   97   98   99   100   101   102   103   104   105   106