Page 105 - merit 53
P. 105

‫‪103‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

     ‫القصة في تونس‬

   ‫كتفي‪ ،‬لا تخافي‪ ،‬أنت بين أياد أمينة‪ ،‬نحن هنا من‬     ‫لأكثر من ثماني سنوات متتالية كنت ماخو ًرا لزوج‬
       ‫أجل تطهير الأرض من مثل هؤلاء الأنجاس‪.‬‬           ‫أمي‪ ،‬أمام سمع ومرأى أمي التي لا حول ولا قوة‬

 ‫قادني أحدهم إلى كهف‪ ،‬حيث وجدت امرأة أخرى‪،‬‬                ‫لها‪ ،‬أنا من كانت أحلام طفولتها حسا ًء ساخنًا‬
 ‫كانت أكبر مني سنًّا بكثير‪ ،‬أنا بنت العشرين‪ ،‬قالت‬    ‫وكسرة خبز طازجة‪ ،‬أنا اللحم الذي مزقته سكاكين‬
                                                     ‫صدئة‪ .‬وها أنذا الآن أمزقه بأظافري وأوزعه عليكم‪.‬‬
    ‫لي‪( :‬السلام عليك أيتها الأخت) ومن هناك بدأت‬        ‫شببت كزهرة برية مهملة وسط حقل شائك‪ ،‬بعود‬
                                 ‫مشوا ًرا جدي ًدا‪.‬‬   ‫هش كنت أقاوم الريح والبرد والمطر‪ ،‬نضج جسدي‬
                                                     ‫واكتملت أنوثتي‪ ،‬لكن روحي كانت مشوهة وقبيحة‪،‬‬
‫لم يختلف الأمر كثي ًرا عن قبل‪ ،‬لم أعد أنتظر في ركن‬
   ‫الكوخ القصديري ‪-‬مرتعشة من البرد والخوف‪-‬‬                ‫عكس وجهي الذي ازداد جما ًل ونضارة‪ ،‬كنت‬
  ‫ذلك الوحش البشري يأتي ليقضم جسدي الهش‪،‬‬             ‫مسكونة بفكرة الانتقام‪ ،‬نعم‪ ..‬كنت أريد أن أتخلص‬
  ‫وأمي تدير وجهها للحائط وتبكي في صمت مرير‪،‬‬
     ‫جسد ابنتها ينتهك أمامها وبتواطؤ منها‪ ،‬كانت‬         ‫من الهوان والذل‪ ،‬أريد أن أتخلى عن دور النعجة‪،‬‬
     ‫مستسلمة لذلك الخنزير القذر‪ ،‬يأكل من لحمي‬           ‫وفي تلك الأثناء بدأ الذئب يتشكل في داخلي وكنت‬
                                                      ‫أربيه حيوا ًنا شر ًسا يزداد ضراوة‪ ،‬فنداء الوحشية‬
‫ولحمها‪ ،‬ومن عرقنا وكدنا في حقول الفلاحة‪ ،‬حقول‬
    ‫الشقاء‪ ،‬حين كنا نعمل كعبيد لقاء أجرة زهيدة‪،‬‬                                       ‫يسري في دمي‪.‬‬
             ‫تؤمن له سجائره وخمرته الرخيصة‪.‬‬            ‫ما معنى أن يكون للمرأة جسد تمنحه متى أرادت‬
                                                      ‫وتمنعه متى شاءت‪ ،‬كنت أفكر في هذا وأنا مستلقية‬
 ‫أصبحت الآن ألقب بحسناء الجبل‪ ،‬يتداول عليَّ أكثر‬
     ‫من واحد‪ ،‬وفي كل مرة يشعرون فيها أن هناك‬                ‫في ظلام كوخ القصدير‪ ،‬وكنت أسمع أنفاسه‬
                                                        ‫الكريهة تقترب روي ًدا مني‪ ،‬أرى أصابعه الخشنة‬
   ‫بوادر حمل تقوم المرأة الأخرى بإجراءات إسقاط‬        ‫وأظافره السوداء‪ ،‬وهي تتحسس الطريق في الظلام‬
 ‫الجنين‪ ،‬تسقيني خلطة أعشاب مرة‪ ،‬ويتم الأمر في‬        ‫نحوي‪ ،‬هو الآن أمامي وأنا باركة عند قدميه‪ ،‬شدني‬
                                                         ‫من رأسي وقربه من ذكره الذي أولجه في فمي‬
   ‫هدوء مؤلم‪ ،‬آخذ بعدها إجازة من «جهاد النكاح»‬         ‫وشرع بدفعه إلى الداخل‪ ،‬وهو يقوم بتلك الحركة‪،‬‬
                  ‫لأعود لاح ًقا‪ ،‬تتداولني الأجساد‪.‬‬   ‫أطبقت على حيوانه بأسناني بكل قوة وعضضته‪ ،‬إلى‬
                                                      ‫أن أحسست بشيئه في فمي ممزو ًجا بالدم‪ ،‬سمعته‬
      ‫يتلون على مسامعي أحاديث وآيات قرآنية لم‬            ‫يصيح ويعول‪ ،‬سلخت نفسي منه وتراجعت إلى‬
    ‫أكن أفقه منها أي شيء‪ ،‬وأنا من كانت معرفتها‬          ‫الوراء‪ ،‬زحفت بعي ًدا عنه‪ ،‬كنت كغريق يسبح بكل‬
    ‫بالمدرسة معرفة غائمة‪ ،‬أقطع مسافات بعيدة في‬
‫تلك الصباحات الثلجية الصقيعية لأجدني على مقعد‬                           ‫قوته آم ًل في الوصول إلى البر‪.‬‬
    ‫خشبي مهترئ وبارد‪ ،‬أنتظر ساعة الخروج من‬               ‫سمعته خلفي يشتم‪( :‬يا بنت الكلب‪ ،‬أين تهربين‬
  ‫الفصل لاستلام قطعة الخبز المدهونة «بالهريسة»‬
   ‫وشيء من «السردينة» من المطعم المدرسي‪ ،‬كنت‬              ‫مني؟)‪ ،‬تعثرت في هروبي بالفأس قرب الباب‪،‬‬
  ‫أحسها وجبة فاخرة وقتها وأتلهف لها كل صباح‬                 ‫أمسكتها‪ ،‬في ذات اللحظة كان هو يقبض على‬
                                                        ‫ساعد َّي‪ ،‬لا أعلم كيف التفت نحوه وسددت رأس‬
                                        ‫بشوق‪.‬‬             ‫الفأس بكل قوتي نحو رأسه‪ ،‬ندت عنه صرخة‬
    ‫لم أكن أفقه شيئًا مما يسرده أو يتلوه الآخرون‬           ‫شقت صمت الليل‪ ،‬كانت كهدير بركان‪ ،‬عندما‬
   ‫على مسامعي‪ ،‬وفي كل مرة كان يختلي بي أحدهم‬                ‫ركضت خار ًجا كنت أسمع عويل أمي‪ ،‬لكني‬
    ‫يعلمني فنون النكاح على حد قوله ويدربني على‬            ‫استمرر ُت في الركض بلا هوادة‪ ،‬فج ًرا وصلت‬
  ‫الوضعيات الأكثر إثارة وأكتفي بـ»نعم» وأنفذ كل‬          ‫الجبل‪ ،‬وهناك وجدتني بين ذئاب آخرين كما لو‬
                                                        ‫أنهم كانوا في انتظاري‪ .‬أحاطوا بي‪ ،‬وانهالوا عليَّ‬
                                ‫ما يأمرونني به‪.‬‬      ‫بالأسئلة‪ ،‬كنت مرتعبة خائفة مضطربة‪ ،‬ولكني قلت‬
‫يأخذونني أحيا ًنا إلى بعض الأماكن حيث أق ِّضي ليلة‬      ‫لهم كل شيء‪ ،‬اقترب مني أحدهم وهو يربت على‬

  ‫أو تزيد مع آخرين‪ ..‬يسمونها مهمات خاصة‪ ،‬مع‬
‫قادة رفيعي المستوى‪ ،‬بالنسبة إل َّي كانوا كلهم سواء‪،‬‬

  ‫كلُّهم أجساد عابرة تنهش لحمي‪ ،‬وكان يحدث أن‬
   100   101   102   103   104   105   106   107   108   109   110