Page 108 - merit 53
P. 108

‫العـدد ‪53‬‬  ‫‪106‬‬

                                                   ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

      ‫غير السجن وأنا قاتلة فارة من وجه العدالة؟‬     ‫نظرت في ذهول‪ ،‬خلعت ملابسي ببطء شديد‪ ،‬فعلت‬
 ‫وكيف سأثبت أني قتلته لأنه اغتصب طفولتي لمدة‬          ‫ذلك بيدين مرتجفتين‪ ،‬أنا الآن عارية تما ًما واقفة‬
 ‫عشر سنوات؟ كيف يمكنني أن أثبت براءتي؟ وإن‬            ‫أمام الرجلين‪ ،‬كان الرجل الآخر يتأملني‪ ،‬بشهوة‬
‫نجوت من تهمة القتل فهل أنجو من تهمة الإرهاب؟‬                       ‫شبقية وهو يعبث بلحيته الشعثاء‪.‬‬

    ‫أنا منبوذة بكل الأحوال‪ ،‬ولا مكان لي في العالم‬  ‫كنت ممددة على الأرض‪ ،‬تعبث بي أيادي الرجلين في‬
     ‫الخارجي ولكنني أنهار ولن أصمد طوي ًل هنا‪،‬‬     ‫كل اتجاه‪ ،‬يتناوبان على مداعبة جسدي‪ ،‬واحد يمص‬
‫أصبحت أجر جسدي ج ًّرا‪ ،‬آثار الكدمات والخدوش‬
‫تملؤه‪ ،‬وروائح المني تفوح منه‪ ،‬لا بد أن أغادر لكن‬     ‫حلمة النهد ويلثمها‪ ،‬بشكل فيه الكثير من القسوة‪،‬‬
                                                        ‫والآخر يده بين فخذ َّي‪ .‬كنت مثل قطعة خشب‬
                                       ‫إلى أين؟‬
   ‫توجهت إلى مخبأ السلاح‪ ،‬تسللت في هدوء‪ ،‬كنت‬          ‫متجمدة بينهما‪ ،‬بلا روح‪ ،‬أحدق في سقف الكهف‬
  ‫أعرف جي ًدا أين يضعون الأحزمة الناسفة‪ ،‬تلقفت‬       ‫وأسمع وحوحتيهما‪ ،‬تمدد أحدهما وأولجه ف َّي من‬
                                                   ‫الخلف‪ ،‬ثم باشرني الثاني من الأمام‪ ،‬وشرع الاثنان‬
                                  ‫أحد الأحزمة‪.‬‬
 ‫منذ مدة وأنا أراقبهم‪ ،‬أراقب تدريباتهم الصباحية‪،‬‬       ‫في الرهز بقوة‪ ،‬حين انتهيا خرجت أركض نحو‬
 ‫وكيف يلبسون الحزام الناسف‪ ،‬وكيفية استعماله‪،‬‬       ‫كهفي منهوكة‪ ،‬يتناهى إل َّي أنين أمي وبكاؤها‪ ،‬فحيح‬
 ‫كنت أراقب كل شيء وأسجله بتفاصيله في رأسي‬
                                                     ‫زوج أمي الأدرد‪ ،‬وحوحات الرجلين ثم قهقهاتهما‬
  ‫الصغير‪ ،‬لبست الحزام وأسدلت عباءتي ونقابي‪،‬‬         ‫المقززة‪ ،‬وهناك تلقفتني تلك المرأة‪ ،‬فبينما أنا ممددة‬
  ‫كنت قد سرقت كشاف ضوء صغير من صندوق‬
                                                      ‫شعرت بها جنبي تمد رأسها بين فخذ َّي‪ ،‬وتدفع‬
                                         ‫القائد‪.‬‬     ‫يدي بين فخذيها‪ ،‬ولم لا؟! خذي حتى أنت نصيبك‬
‫عليَّ أن أسرع قبل بزوغ الفجر‪ ،‬المسافة طويلة‪ ،‬وإذا‬
                                                                                ‫من الجسد الماخور‪.‬‬
  ‫استيقظوا ولم يجدوني‪ ،‬سيج ُّدون في البحث عني‬           ‫منذ ذلك اليوم‪ ،‬أخذت حياتي في الجبل منعر ًجا‬
  ‫وسيكون من السهل اللحاق بي‪ ،‬كنت أقطع الغابة‬            ‫جدي ًدا‪ ،‬كنت أعاشر كل أعضاء الكتيبة‪ ،‬وأجمع‬
‫رك ًضا‪ ،‬أحث السير‪ ،‬أتعثر‪ ،‬أسقط‪ ،‬أزحف ثم أنهض‬        ‫أحيا ًنا بين اثنين إذا اقتضت الضرورة‪ ،‬وكان القائد‬
                                                      ‫يردد على مسامعي أنني أقدم خدمة جليلة للأمة‪،‬‬
                                      ‫وأواصل‪.‬‬        ‫أني أقوم بجهاد النكاح المقدس‪ ،‬وهو أعظم مراتب‬
 ‫طوقت الشرطة منطقة وسط البلد‪ ،‬ومنعت جولان‬          ‫الجهاد التي م َّن بها الله على المرأة‪ ،‬تحول جسدي إلى‬
                                                    ‫ماخور‪ ،‬فقدت القدرة على الإحساس باللذة أو الألم‪،‬‬
     ‫السيارات‪ ،‬تناقلت وسائل الإعلام خبر حدوث‬        ‫كنت ماخو ًرا جاه ًزا دائ ًما تحت الطلب‪ ،‬تعلمت كيف‬
‫تفجير إرهابي جديد صباح اليوم‪ ،‬في حدود الساعة‬         ‫أستسلم في صمت ودون أن يحس من يضاجعني‬

    ‫الحادية عشرة‪ ،‬داخل مستودع اتضح أنه ملجأ‬                ‫حتى بوجودي‪ ،‬كنت فقط مجرد آلة‪ ،‬فهمت‬
 ‫للإرهابيين‪ ،‬أدى الانفجار إلى أضرار مادية‪ ،‬وقتل‬       ‫حزن الصبي الذي كان معي‪ ،‬وفهمت سر صمته‬
 ‫أكثر من خمسة أنفار‪ ،‬وإصابة بعض المارة بجراح‬          ‫وانكساره‪ ،‬هو أي ًضا كان ماخو ًرا‪ ..‬كنت منكسرة‬

     ‫طفيفة‪ ،‬كانوا مارين بالصدفة قريبًا من المكان‪،‬‬                            ‫جس ًدا محط ًما بلا روح‪.‬‬
      ‫وأوضحت المصادر الأمنية أن شابة في بداية‬       ‫ذات ليل‪ ،‬بعدما تناوب على جسدي أكثر من واحد‪،‬‬

‫العشرينات من العمر‪ ،‬هي من قامت بتفجير نفسها‪،‬‬           ‫وأُ ْنهكت تما ًما‪ ،‬وفي غفلة منهم ‪-‬وهم يشخرون‬
                          ‫وقد تحولت إلى أشلاء‪.‬‬       ‫في نومهم‪ -‬انتهزت فرصة غياب حارس التناوب‪،‬‬
                                                   ‫وتسللت من الكهف بهدوء‪ ،‬تسمرت في مكاني لبرهة‬
    ‫لكنها تركت الرسالة أعلاه مذيلة بتوقيعها‪ ،‬مع‬    ‫وجيزة أفكر فيما عليَّ أن أقوم به‪ ،‬منذ أيام وأنا أفكر‬
 ‫اسمها الحقيقي وكامل المعلومات المتعلقة بعائلتها‪،‬‬
                                                       ‫في الهروب من هذا الجحيم الجبلي‪ ،‬لكنني أدرك‬
   ‫وبيانات أخرى مهمة ج ًدا عن مواقع الإرهابيين‪،‬‬      ‫جي ًدا أن لا مكان لي خارج الجبل‪ ،‬العالم الخارجي‬
 ‫جاء في الجملة الأخيرة من رسالتها‪“ :‬لست نادمة‪،‬‬        ‫لم يكن أب ًدا أكثر رحمة بي‪ ،‬ثم ما الذي ينتظرني‬
‫وأعتقد أنه حان الوقت الآن‪ ،‬لأهبكم جسدي الماخور‬

                                        ‫دائ ًما»‪.‬‬
   103   104   105   106   107   108   109   110   111   112   113