Page 124 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 124

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

         ‫نوال السعداوى‬
‫و «الوجه العاري للمرأة العربية»‬

                   ‫دكتور حسين علي‬
‫أستاذ المنطق وفلسفة العلوم ‪ -‬كلية الآداب ‪ -‬جامعة عين شمس‬

‫قـرءوا لهـا؛ لأدركـوا مـدى حماسـها فـي الدفـاع عـن‬      ‫فـي يـوم الأحـد الموافـق ‪ 21‬مـارس ‪ 2021‬إنـه‬
‫الإسـام‪ ،‬إذ تقـول فـي خاتمـة كتابهـا «الوجـه العـارى‬    ‫«عيـد الأم»‪ ..‬فـي ذلـك اليـوم ‪ -‬ويـا للمصادفـة ‪-‬‬
‫للمـ أرة العربيـة»‪« :‬إن الإسـام يتضمـن كثيـًار مـن‬      ‫رحلـت عـن عالمنـا «نـوال السـعداوي»‪ ..‬رحلـت كـي‬
‫الإيجابيـات التـى يجـب أن نظهرهـا ونفهمهـا فه ًمـا‬      ‫تخلـد إلـى ال ارحـة بعـد صـ ارع مريـر ‪ -‬طـوال مـا‬
                                                        ‫يزيـد علـى تسـعين عامـا ‪ -‬مـع أصحـاب العقـول‬
    ‫صحي ًحـا ناب ًعـا مـن الم ارجـع المعتـرف بهـا»‪.‬‬     ‫المعتمـة فـي مجتمعاتنـا العربيـة والإسـامية‪« ..‬نـوال‬
‫(د‪ .‬نوال السعداوى‪ :‬الوجه العارى للم أرة العربية‪،‬‬        ‫السـعداوي» طبيبـة مصريـة‪ُ ،‬وِلـَدت بالقاهـرة عـام‬
‫مؤسسـة هنـداوى سـى آى سـى‪ ،‬المملكـة المتحـدة‪،‬‬           ‫‪ ،1930‬تركـت العمـل فـي مجـال الطـب‪ ،‬واحترفـت‬
                                                        ‫الكتابـة والأدب‪ ،‬إنهـا مثقفـة عميقـة الثقافـة‪ ،‬تتبنـى‬
                           ‫‪ ،2017‬ص ‪.)209‬‬                ‫الدفـاع عـن الحريـة بصفـة عامـة‪ ،‬وحريـة المـ أرة‬

‫إن كتابـات الدكتـورة نـوال السـعداوى هـى أشـبه‬                                          ‫بصفـة خاصـة‪.‬‬
‫بالمـرآة الكاشـفة للعيـوب والعـو ارت‪ ،‬فـإذا نظـر‬
‫شـخص مـا إلـى المـرآة‪ ،‬وشـاهد البثـور والدمامـل‬         ‫شـجاعة وجسـورة فـي دفاعهـا عمـا تؤمـن بـه‪.‬‬
‫تغطـى جانًبـا أو أكثـر مـن وجهـه‪ ،‬فسـوف يحـزن‬           ‫أفكارهـا صادمـة إلـى درجـة هَّيجـت وأثـارت ضدهـا‬
‫ويغتـم‪ ،‬لأن المـرآة أظهـرت مـا يحزنـه ويخجلـه‪ ،‬وقـد‬     ‫أغلـب السـلطات الدينيـة والسياسـية علـى مـدى‬
‫تنتابـه رغبـة جامحـة فـي تحطيـم المـرآة نفسـها‪ ،‬رغـم‬    ‫فتـ ارت حكـم متعاقبـة‪ ،‬حتـى إنهـا ُسـ ِجَنت وُرِف َعـت‬
‫أنهـا لـم ترتكـب إث ًمـا سـوى أنهـا عكسـت الحقيقـة‬      ‫ضدهـا قضايـا حسـبة للتفريـق بينهـا وبيـن زوجهـا‪،‬‬
‫وأظهرتهـا‪ .‬كذلـك هـو الحـال مـع كتابـات الدكتـورة‬       ‫وتعرضـت لتهديـدات بالقتـل والاغتيـال والتصفيـة‬
‫نـوال السـعداوى؛ إذ ينفـر منهـا كثيـر مـن النـاس‬        ‫الجسـدية‪ ،‬ولكنهـا لـم تضعـف ولـم تلـن لهـا قنـاة رغـم‬
‫ويبغضهـا‪ ،‬وقـد يهاجمهـا بضـ اروة‪ ،‬لا لشـىء سـوى‬         ‫إشـ ارفها علـى التسـعين مـن عمرهـا‪ .‬إنهـا امـ أرة لا‬
‫أنهـا تُظِهـر عيوبنـا وعو ارتنـا الحقيقيـة وتكشـفها!!‬   ‫نظيـر لهـا بيـن النسـاء‪ ،‬ولا حتـى بيـن كثيـر مـن‬

‫وبطبيعـة الحـال فـإن الإنسـان‪ -‬رجـا كان أو‬                                                    ‫الرج ـال‪.‬‬
‫امـ أرة‪ -‬يميـل إلـى التجمـل‪ ،‬والظهـور فـي أحسـن‬
‫صـورة‪ ،‬مخاد ًعـا ذاتـه‪ ،‬ومحـاوًل بقـدر الطاقـة تجنـب‬    ‫ُبِذَلـت محـاولات كثيـرة للنيـل مـن نـوال السـعداوى‪،‬‬
‫مواجهـة نفسـه بمواطـن ضعفـه‪ ،‬إنـه ينفـر مـن كل مـا‬      ‫وتشـويه صورتهـا وسـمعتها‪ ،‬إذ اُتِّه َمـت بالكفـر‬
‫يـؤدى إلـى فضـح عيوبـه وكشـفها‪ ،‬وهـذا علـى وجـه‬         ‫والإلحـاد حيًنـا‪ ،‬وبمعـاداة الإسـام أغلـب الأحيـان‪.‬‬
‫الدقـة مـا تقـوم بـه د‪ .‬نـوال السـعداوى فـي كتاباتهـا‬   ‫واللافـت للنظـر أن كثيريـن يـرددون هـذه الاتهامـات‬
‫وحوا ارتهـا ولقاءاتهـا‪ .‬إنهـا تضـع أيدينـا دوًمـا علـى‬  ‫دون أن يكلفـوا أنفسـهم عنـاء التحقـق مـن صحـة‬
‫مواطـن الضعـف فينـا كأفـ ارد ومجتمعـات عربيـة‬           ‫تلـك الاتهامـات‪ ،‬يرددونهـا بثقـة ويقيـن‪ ،‬رغـم أنهـم‬
‫إسـامية‪ ،‬وتحـاول بإصـ ارر لا يليـن إيقـاظ وعينـا‬        ‫لـم يقـرءوا حرًفـا واحـًدا لهـا‪ .‬لأنهـم لـو كانـوا قـد‬

                                                        ‫‪124‬‬
   119   120   121   122   123   124   125   126   127   128