Page 125 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 125

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫وتُعقـب نـوال السـعداوى قائلـ ًة‪« :‬لا شـك أن‬                                     ‫حتـى نصلـح مـن حالنـا‪.‬‬
‫هـذه الواقعـة تـدل بوضـوح علـى ذلـك التناقـض‬
‫الشـديد الـذى يعيشـه مجتمعنـا‪ ،‬وتلـك الازدواجيـة‬          ‫تضع نوال السعداوى يدها مثلا على ظاهرة بالغة‬
‫فـي القيـم الأخلاقيـة التـى تحكـم الرجـال والنسـاء‪،‬‬       ‫الخطـورة تسـود بشـكل فـج مجتمعاتنـا العربيـة‪ ،‬وهـى‬
‫والتـى تـؤدى عـادةً إلـى ضيـاع مسـتقبل عـدد غيـر‬          ‫ظاهـرة «ازدواجيـة القيـم الأخلاقيـة العربيـة»‪ ،‬والتـى‬
‫قليـل مـن البنـات والنسـاء‪ ،‬منـذ الطفولـة حتـى‬            ‫بمقتضاهـا صـار للمجتمـع أو للفـرد حياتـان؛ حيـاة‬
‫الم ارهقـة والشـباب إلـى نهايـة العمـر»‪ .‬وتسـتطرد‪:‬‬        ‫علنيـة يَّدعـى فيهـا الأخـاق والفضيلـة والديـن‪ ،‬وحيـاة‬
‫«قـد يتصـور بعـض النـاس أن مثـل هـذه الحـوادث‬
‫قليلـة‪ ،‬ولكـن بحكـم مهنتـى كطبيبـة‪ ،‬وبحكـم خبرتـى‬          ‫خفيـة ليـس فيهـا أثـر لأخـاق أو فضيلـة أو ديـن‪.‬‬
‫أدركـت أن مثـل هـذه الحـوادث غيـر قليلـة‪ ،‬ولكـن‬
‫يتـم إخفاؤهـا والتسـتر عليهـا بسـبب خجـل النسـاء‬          ‫تقـول نـوال السـعداوى‪« :‬كشـفت فـي كتاباتـى‬
‫وخوفهـن مـن التصريـح بمثـل هـذه الحـوادث‪،‬‬                 ‫السـابقة عـن بعـض المتناقضـات الصارخـة فـي حيـاة‬
‫وإد اركهـن أن التصريـح بهـا لـن يـؤدى إلـى أى أذى‬         ‫مجتمعنـا‪ ،‬وفـى حيـاة الأفـ ارد مـن الرجـال والنسـاء‪،‬‬
‫يلحـق بالرجـل‪ ،‬ولذلـك تفضـل أغلـب الأسـر إخفـاء‬           ‫لكـن الأغلبيـة السـاحقة مـن القـَّارء فـي مصـر والبـاد‬
‫مثـل هـذه الحـوادث‪ ،‬خاصـ ًة إذا كان الفاعـل أحـد‬          ‫العربيـة يعلمـون أن مـا أكتبـه ومـا أعرضـه ليـس‬
                                                          ‫إلا القليـل مـن الأمـ ارض المتفشـية عندنـا‪ ،‬والتـى لا‬
      ‫أفـ ارد الأسـرة»‪(.‬ص ص ‪.)174 – 173‬‬                   ‫يمكـن علاجهـا إلا بمزيـد مـن الشـجاعة والصـدق‬
                                                          ‫فـي كشـفها وتشـخيصها ومعرفـة أسـبابها الحقيقيـة»‪.‬‬
‫يسـتعير الفكـر الإسـامي مـن قصـة آدم وحـواء‬
‫معظـم أفكارهـا؛ فيـرى المـ أرة مثـل حـواء‪ ،‬قـد انطـوت‬                      ‫(المرجـع السـابق‪ ،‬ص ‪.)172‬‬
‫علـى قـوة مهلكـة للرجـل وللمجتمـع وللديـن‪ ،‬وأن‬
‫الحضـارة قـد ُبنيـت علـى صـ ارع ضـد هـذه القـوة‪،‬‬          ‫وتؤكـد الكاتبـة أي ًضـا أن‪« :‬هنـاك بعـض النـاس‬
‫لتخضعهـا مـن أجـل حمايـة الرجـال منهـا وعـدم‬              ‫الذيـن ُيخفـون رءوسـهم فـي الرمـال ويدعـون أن‬
‫انشـغالهم بهـا عـن واجباتهـم تجـاه الله والمجتمـع‪.‬‬        ‫مجتمعنـا ليـس فيـه تناقضـات‪ ،‬وأن كل القيـم‬
                                                          ‫الأخلاقيـة والقانونيـة والتقاليـد ‪ -‬كلهـا ‪ -‬علـى خيـر‬
‫ومـن أجـل الحفـاظ علـى المجتمـع والديـن كان‬               ‫مـا يـ ارم‪ ،‬وكلـه تمـام‪ ،‬وليـس فـي الإمـكان أبـدع ممـا‬
‫لابـد مـن فصـل الجنسـين‪ ،‬وإخضـاع النسـاء بالحديـد‬
‫والنـار كمـا يقولـون؛ فالحديـد والنـار وحدهمـا همـا‬                                               ‫كان»‪.‬‬
‫اللـذان فـي وسـعهما إخضـاع العبيـد لأحـكام ظالمـة‬
‫قائمـة علـى الاسـتغلال‪ ،‬وتـرى نـوال السـعداوي أن‬          ‫وتسـتعرض نـوال السـعداوى تلـك الحادثـة التـى‬
‫حـال المـ أرة فـي الـزواج أسـوأ مـن حـال العبيـد؛ لأنهـا‬  ‫نشـرتها جريـدة «أخبـار اليـوم» صبـاح السـبت‬
‫تُ ْسـتَغل جنسـًّيا واقتصادًّيـا فـي آن واحـد‪ ،‬بالإضافـة‬  ‫‪ 23‬فب اريـر سـنة ‪ ،1974‬والتـى تحكـى عـن أن‬
‫إلـى القهـر الأخلاقـي والدينـي والاجتماعـي الـذي‬          ‫مـدرس الرسـم قـام باغتصـاب تسـع تلميـذات‪ ،‬تتـ اروح‬
‫تتعـرض لـه؛ وإذا كان العبيـد يتقاضـون أجـًار عـن‬          ‫أعمارهـن بيـن السـابعة والثانيـة عشـرة‪ ،‬وقـد باشـرت‬
‫جهدهم‪ ،‬فإن الزوجة تعمل في أعمال الخدمة والبيت‬             ‫النيابـة التحقيـق‪ ،‬ثـم انتهـت المحكمـة إلـى حفـظ‬
‫ورعايـة الأطفـال والمسـنين بغيـر أجـر؛ والعبيـد مـن‬       ‫أو ارق القضيـة‪ ،‬حر ًصـا منهـا علـى سـمعة التلميـذات‬
‫الرجـال قـد ُي ْطِلـق سـ ارحهم السـيد‪ ،‬فيصبحـون رجـالا‬    ‫وأسـرهن‪ ،‬وحفا ًظا على مسـتقبلهن من أن تلوثه هذه‬
                                                          ‫الواقعـة‪ ،‬ومـن ثـَّم تـم الإفـ ارج عـن المـدرس الجانـى‪،‬‬
                                                          ‫ولـم ُي َعاقـب بيـوم حبـس واحـد؛ بسـبب حفـظ القضيـة‪.‬‬

                                                                              ‫(ص ص ‪.)173 – 172‬‬

‫‪125‬‬
   120   121   122   123   124   125   126   127   128