Page 46 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 46

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا‬                       ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

  ‫أو الالتقـاء فـي وجهـات النظـر مثالًّيـا‪ideal.‬‬                 ‫البحـث العلمـي قـد اسـتبعدت النسـاء‪ .‬وتبنـت أفـكار‬
                                                                 ‫العقلانيـة الأداتيـة ‪instrumental rationality‬‬
‫سـنقف عنـد بعـص الفلاسـفة الغربييـن الذيـن‬                       ‫التـي فشـلت فـي تحقيـق الموضوعيـة الحقيقيـة ‪true‬‬
‫تناولـوا فكـرة العدالـة بالتحليـل‪ ،‬والتعدديـة الثقافيـة‬          ‫‪ objectivity‬لأنهـا تتعلـق بالطبيعـة مـن وجهـة‬
‫وغيرهـا مـن الأفـكار التـي ترتبـط بموضوعنـا‪ .‬لكـن‬                ‫نظـر ذكوريـة أو أبويـة‪ ،‬حيـث يتـم اختـ ازل قيمـة‬
‫أود أن أشـير إلـى أن مفارقـات الواقـع الـذي نعيشـه‬               ‫الطبيعـة فـي مـدى الاسـتفادة المحققـة مـن اسـتخدام‬
‫فـي عالمنـا العربـي‪ (((،‬ومـا يحـدث لنـا وفـي أوطاننـا‬
‫مـن تمـزق وتشـتت‪ ،‬سـواء تمزقـات الـذات والأوطـان‬                                                   ‫الشـيء فقـط‪.‬‬
‫فـي الداخـل‪ ،‬أو ازدواجيـة المعاييـر مـن الآخـر فـي‬
‫الخـارج‪ ،‬والضـرب بعـرض الحائـط بـكل الأعـ ارف‬                    ‫ممـا لاشـك فيـه؛ أن هنـاك أدبـا غنيـا ومهمـا فـي‬
‫والقيم والمبادئ والقوانين الدولية؛ أقول‪ :‬إن مفارقات‬              ‫نظرية المعرفة النسوية‪ ،‬لن أستطيع في هذا الحيز‬
‫الواقع جعلتني أعيد ق ارءة آ ارء بعض فلاسفة الغرب‬                 ‫مـن البحـث الوقـوف عنـده‪ (((.‬لكـن تنبهنـا النسـوية‬
‫المعنيـة بـ “فلسـفة الكونـي”‪ ،‬وأتسـاءل‪ :‬هـل فلسـفة‬               ‫(بعدالاسـتعمارية) إلـى أصـوات الـذوات المنقسـمة‬
‫الكونـي واحـدة‪ ،‬أم هـي تعدديـة فـي صورتهـا‪.‬؟ وهـل‬                ‫وهـي تفـكك منطـق ال ُكلانيـة فـي ضـوء الغيريـة‬
‫القيـم الكونيـة تسـري علينـا كمـا تسـري علـى العالـم‬             ‫الثقافيـة‪ ،‬وكمـا تلاحـظ ناقـدة أدبيـة مـن شـيلي هـي‬
‫الغربـي‪.‬؟ وهـل نجـد فـي الغـرب أنصـاًار لنـا حقيقييـن‬            ‫نيللـي ريتشـارد‪ ،‬ينبغـي أن يكـون النقـد النسـوي(بعد‪-‬‬
‫يقلقهـم الخطـر الـذي يهـدد آدميـة الإنسـان وثقافـات‬              ‫الاسـتعماري) قـاد ار علـى تعريـة المصالـح ال ُمنسـقة‬
                                                                 ‫للثقافـة المهيمنـة المختفيـة و ارء “شـفافية” محايـدة‬
                    ‫الأمـم الأخـرى بالانقـ ارض؟؟‬                 ‫مفترضـة فـي العلامـات وفـي نمـوذج إعـادة الإنتـاج‬
                                                                 ‫المحاكـي لتلبيـة حاجـات السـوق مـن خـال تلبيـة‬
‫هـل حقـوق الإنسـان والعدالـة والمسـاواة وكل‬                      ‫حاجـات المسـتهلك السـلبي‪ ،‬وتكشـف المذاهـب‬
‫الحقـوق الإنسـانية((( التـي ينـادي بهـا الفيلسـوف‬                ‫النسـوية عـن أشـكال الاسـتغلال فـي العديـد مـن‬

‫الغربـي يقصـد بهـا الإنسـان كائنـا مـا كان لونـه أو‬                                             ‫بلـدان العالـم‪(((.‬‬

‫((( إن مفارقـات الواقـع التـي تحـدث فـي عالمنـا العربـي‪،‬‬         ‫لكـن البعـض يـرى أن هـذا لا يـؤدي بالضـرورة إلـى‬
‫مـن تفتيـت الـدول العربيـة إلـى دويـات ضعيفـة‪ ،‬وتنفيـذ‬           ‫رفـض العالميـة ‪rejection of a universality‬‬
‫خطـة برنـارد لويـس التـي أقرهـا الكونجـرس الأمريكـي‬              ‫حتـى عندمـا يكـون هـذا النقـد النسـوي متحالفـا مـع‬
‫ســنة ‪1983‬م والفوضــى الخلاقــة‪ ،‬الشــرق الأوســط‬
‫الجديـد‪ ،‬وبـؤرة الصـراع فـي فلسـطين‪ ،‬وعـدم الاعتـراف‬                      ‫التحليـل الحـاد لرفـض العقلانيـة الأداتيـة‪.‬‬
‫بحقـوق الفلسـطينين‪ ،‬ودفـاع الغـرب وأمريـكا الدائـم عـن‬
‫إسـرائيل ومصالـح إسـرائيل‪ ،‬وعـدم الاعتـراف بالقرارات‬             ‫باختصـار نجـد أنفسـنا أمـام أنـواع مختلفـة‬
‫الدوليـة التـي تنصـف الفلسـطينين‪ ،‬قـرارات مجلـس الأمـن‬           ‫مـن الكونيـة أو العالميـة ‪different kinds of‬‬
‫والأمـم المتحـدة وغيرهمـا مـن مؤسسـات دوليـة‪ .‬وإهـدار‬            ‫‪ universalism‬حتـى علـى مسـتوى اسـتخدام‬
‫كرامـة المسـلم فـي كل مـكان‪ ،‬ومـا عايشـناه مـن سـطوة‬             ‫المصطلـح فـي السـياقات المتعـددة‪ ،‬ولا يـ ازل التقـارب‬
‫الاسـتعمار وإذلالـه‪ ،‬وأدواتـه التغريبيـة والإقصائيـة‪ ،‬إننـا‬

    ‫مـا زلنـا نعيـش اسـتعمارا جديـدا أشـد وطـأة وعنفـا‪.‬‬

‫((( يمكـن الرجـوع إلـى‪ :‬فكـرة حقـوق الإنسـان‪ ،‬تأليـف‪:‬‬            ‫((( علــى ســبيل المثــال يمكــن الرجــوع إلــى‪ :‬نقــض‬
‫تشـارلز آر‪ .‬بيتـز‪ ،‬ترجمـة شـوقي جـال‪ ،‬عالـم المعرفـة‪،‬‬            ‫مركزيـة المركـز‪ ..‬الفلسـفة مـن أجـل عالـم متعـدد الثقافات‬
‫العــدد(‪ ،)421‬فبرايــر ‪ ،2015‬المجلــس الوطنــي للثقافــة‬         ‫بعد‪-‬اسـتعماري ونسـوي‪ ،‬تحريـر‪ :‬أومـا ناريـان وسـاندرا‬
‫والفنــون والآداب‪ ،‬الكويــت‪ .‬يــرى أن حقــوق الإنســان لا‬        ‫هاردنــغ‪ ،‬ترجمــة‪ :‬د‪ .‬يمنــى طريــف الخولــي‪ ،‬عالــم‬
‫تعبـر عـن فكـرة معياريـة مجـردة بقـدر مـا تمثـل ممارسـة‬          ‫االلثـماعن ي�رفــ(ة‪6‬ال‪9‬ج‪3‬ـ)ـزينءايـالرأو‪3‬ل‪ )39.250( 1‬ديسـم ب� ‪ ،2012‬والجـزء‬
‫سياسـية طارئـة‪ .‬لذلـك يـرى أن أفكارنـا السياسـية يجب أن‬
‫تتحلـى بقـدر أكبـر مـن الوضـوح والتمييـز عندمـا نفكـر‬                               ‫((( المرجع السابق‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.119‬‬

                         ‫فـي كيفيـة العمـل‪( .‬التصديـر)‪.‬‬

                                                             ‫‪46‬‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51