Page 50 - مجلة التنوير العدد الخامس
P. 50
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
الشـكل الثانـي :وهـو الليب ارليـة التـي تنخـرط فيهـا الك ارمـة” و”سياسـة الاختـاف” -القائمتيـن علـى
الدولـة فـي حفـظ المجتمـع ككل بمـا فيـه ثقافاتـه
المختلفـة ودياناتـه المتباينـة ،شـريطة الحفـاظ علـى مبـدأ “الاحتـ ارم” فـي تصـادم .بالنسـبة إلـى الأولـى،
حقـوق المواطنيـن الأساسـية. فـإن مبـدأ “الاحتـ ارم للجميـع” يتضمـن أن نعامـل
ولا خفـاء أن تايلـور يفضـل الضـرب الثانـي مـن الـكل علـى قـدم المسـاواة ،وقـد عمينـا عـن كل
الليب ارليـة ،وهـو الشـكل الـذي يتوافـق مـع «سياسـة
الاختلافـات؛ أمـا بالنسـبة إلـى الثانيـة ،فإنـه ينبغـي
الاعتـ ارف» التـي يدعـو إليهـا((1(.
الاعتـ ارف بالخصوصيـة ،بـل وتشـجيعها .وإ ّن مـا
إن تايلـور -مـن خـال مؤلفاتـه -يتحـدث عـن تعيبـه الأولـى علـى الثانيـة لهـو أّنهـا تخـرق مبـدأ
خصوصيـة الثقافـة الغربيـة ،عـن «المتخيـات الأولـى علـى هوإوّّي ـن ٍة،م ـاوتذلعـيب ـكهبفا ـلثراني ـضة “عـدم التمييـز”.
الغربيـة الحديثـة» ،عـن «عصـر علمانـي» ،عـن نمطـ ٍّي قالـ ٍب لهـو إنـكار ك ّل
«سياسـات الاعتـ ارف» داخـل المجتمـع الغربـي ،عـن
الحـروب التـي حدثـت فـي الغـرب بيـن الكاثوليـك علـى ك ّل الّنـاس ليـس يناسـبهم((1(.
والبروتسـتانت ،حـرب الوردتيـن ،عـن أوروبـا
المسـتودع الرئيسـي للحضـارة ،عـن النظـام المسـتقر أكثـر مـن هـذا ،يطـرح هـذا الأمـر تفكيـك الفكـرة
فـي الحضـارة الغربيـة. الليب ارليـة ذاتهـا بوصفهـا تعمـى عـن الاختلافـات
إنـه يتحـدث عـن الإحسـاس بوحـدة الحضـارة وتفرض التنميطات .وإ ّن أنصار ضروب «سياسـية
الأوروبيـة الـذي يمتـد إلـى الماضـي ،وصـولاً إلـى الاختـاف» الأشـّد ارديكالّيـة -شـأن بعـض
فهـم الـذات الأصليـة فـي المسـيحية اللاتينيـة التـي النزعـات النسـوّية مثـاً -لتذهـب إلـى حـّد اعتبـار
ت اربطـت كلهـا معـاً بفعـل تنظيـم شـامل يعلـو علـى نفسـها انعـكاس ألثّقنافـ“االٍلتيب ارخلايـاّصـتٍة.الفعكميـيـافء”للإّنخـامـاّصهـأين
القوميـة هـو الكنيسـة الكاثوليكيـة ،ومنـذ ذلـك الوقـت يمنـع الخـا ّص؟
لـم تفقـد هـذه الحضـارة إحساسـها بوحدتهـا ضمـن أََو ليسـت الليب ارليـة هنـا -وهـي الخصوصيـة -
مبـادئ مشـتركة للنظـام ،وذلـك فـي ظـل وصفـات تتقنـع خلـف مبـدأ كونـ ٍّي؟
وموقـف تايلـور أّنـه وإن هـو أقـّر بنقـص هـذا
متغيـرة كانـت أحدثهـا «أوروبـا». ال ّضـرب مـن الليب ارليـة ،فإّنـه لا يذهـب إلـى حـّد تبّنـي
حقـا سياسـة فهـو يعتبـر أّنـه توجـد االّنحقتــدارامل ارمدتيككاافلــ ّيئ.
إنه يتحدث عن أوروبا التي ترى نفسها المستودع مضياف ـة»؛ يصفهـا بأّنهـا «غيـر
الرئيـس للحضـارة ،يتحـدث عـن الإحسـاس بنظـام
يعلـو علـى القوميـة وهـو قـد تحـول علـى نحـو متـدرج أي غيـر متسـامحة مـع الاختلافـات وغيـر ارفـدة
عبـر القـرون إلـى أن صـار الحكـم الديمق ارطـي
واحتـ ارم حقـوق الإنسـان إحـدى صفاتـه المحـددة للاختلافـات؛ لكـن لحسـن الحـظ توجـد أنحـاء أخـرى
الرئيسـية .ومنـذ أن صـاغ نظـام الدولـة الأوروبـي
أسـاس امتـداده إلـى نظـام عالمـي؛ توسـع هـذا النظـام للمجتمعـات الليب ارليـة أكثـر مضيافيـة تقبـل ببعـض
توسـعا مبتكـ ار ليشـمل أعضـاء المجتمـع العالمـي
الحقـوق الثقافيـة أو تقـول بمبـدأ «التعـدد الثقافـي».
“الذيـن يحسـنون السـلوك كلهـم”((2(.
هناك إذن شكلان لليب ارلية:
( ((1المرجع السابق.
الشكل الأول :وهو ما يسميه «الليب ارلية الإج ارئية»
( ((2تشــارلز تايلــر ،المتخيــات الاجتماعيــة الحديثــة، التـي تؤكـد علـى حقـوق الفـرد؛ وبالتالـي تؤكـد حياديـة
ترجمـة الحـارث النبهـان ،مراجعـة :ثائـر ديـب ،المركـز الدولـة لدرجـة تصـل إلـى دولـة بـا مقاصـد ثقافيـة
أو دينيـة ،بـل حتـى بـا أهـداف جماعيـة مشـتركة
عـدا الحريـة الفرديـة والأمـن الشـخصي ورغـد عيـش
وسـامة المواطنيـن.
( ((1المرجع السابق.
50