Page 19 - merit 53
P. 19
17 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
المغربي من الثقافة الفرنسية،
في غياب تام لأي مقاربة
علمية -أو اتفاق -يتم
من خلالهما تداول هذا
المصطلح أو ذاك تداو ًل
منطقيًّا يفضي في الأخير
إلى القبول والشيوع ،ثم إلى
الاستقرار.
يزداد الأمر صعوبة،
عندما نجد الباحث الواحد
يستعمل مصطل ًحا واح ًدا
للدلالة على عدة معان ،أو
يستعمل عدة مصطلحات
للدلالة على معنى واحد،
لأنه يغرف من هنا ومن
رينيه ويليك صبري حافظ صلاح فضل هناك وتتزاحم عنده
المصطلحات الروسية
والانجليزية والفرنسية والألمانية من غير هدف إ َّل
ذهنية داخل العقل وليست خارجه ،وهي حقيقة
أدركها النقاد العرب القدامى قبل أن يؤكدها إمانويل إظهار الاطلاع ،وهو هدف لا يخدم النقد الأصيل
كانط E. CANTEلاح ًقا عبر الفلسفة الألمانية «حيث
أذهاننا تصنع الواقع ،وأن كل ما يكسبه الواقع من ولا البحث الأدبي الرصين ،ولعل الوقوف على بعض
تشكيل أو تنظيم إنما يفرض عليه من أذهاننا التي المصطلحات التي تشيع الآن في الدراسات الأدبية
تأتي بالإطار أو القالب الذي ينبغي أن تصب فيه
الكثرة من الإدراكات غير المهضومة ،قبل أن تتصف والنقدية يوضح هذه الفوضى وهذه الإشكالية.
بالمنطقية أوالمعقولية»(( .)21وفي ضوء ذلك كان لزا ًما
علينا أن ننظر إلى المصطلح الغربي ببعض الشك على سبيل المثال لا الحصر :الشعرية ،الجمالية،
والتريث قبل تقبله( .)22لأننا نرتكب إث ًما لا يغتفر
حينما ننقله (وهو مصطلح فلسفي بالدرجة الأولى) علم الشعر ،الأدبية ،الأسلوبية ،البويطقا ،البلاغة
بحمولته المعرفية إلى ثقافة مختلفة هي الثقافة الجديدة ..وهلم جرا لمصطلح واحد ه و �POE
العربية دون إدراك الاختلاف( )23بينهما .والنتيجة
ما تشهده اليوم كتاباته المعاصرة في الثقافة العربية TIQUEبالفرنسية أو POETICSبالإنجليزية(.)19
من فوضى ،يشعر معها القارئ بالتيه وهو يتتبع
هذا الكم الهائل من الدراسات المنشورة ،حيث يرى الشيء الذي لم يكن يحصل فيما مضى ،إذ عرف
أن كل ناقد يمتح من اللغة التي يتقنها سواء كانت
إسبانية أو إنجليزية أو روسية أو فرنسية ،الأمر العرب القدامى مجموعة من المصطلحات اليونانية
الذي صار معه التواصل مع هذه النظرية الغربية
في لغاتها الأصلية أيسر بكثير في بعض الأحيان من والفارسية التي استنبتت في البيئة العربية
الاطلاع عليها في ترجماتها العربية( ،)24هكذا تعدد
واتخذت لها مكا ًنا بين الألفاظ العربية الأصيلة
نتيجة الاتصال بالثقافات المختلفة ،فتم قبول اللفظ
الأجنبي واستحسنه الكثير ،الشيء الذي أسهم في
ظهور مصطلحات أغنت الأدب العربي ونقده دون
الاصطدام بمشكلة المصطلح( ،)20والإشكال ،اليوم،
يرجع بالأساس إلى كون أغلب المصطلحات الحديثة
فلسفية ،ذلك أن هذه المصطلحات ليست دوا ًل
موضوعيًّا تشير إلى مدلولات حسية «واقعية» (لا
تقبل التأويل) ،ولكنها رموز لغوية( ،سواء أكانت
تدل على مفهوم بسيط أو مركب) ،تشير إلى صورة