Page 27 - merit 53
P. 27

‫‪25‬‬           ‫إبداع ومبدعون‬

             ‫رؤى نقدية‬

                                                               ‫البداية أن الرمزي هو مرحلة‬

                                                               ‫ثانية تعقب النظرية‪ ،‬أي‬

                                                               ‫أن الرمزي مرحلة ثانية‬

                                                               ‫تعقب الرمز‪ ،‬فما المقصود‬

                                                               ‫بالرمزي؟‬

                                                               ‫نعني بالرمزي طريقة‬

                                                               ‫اشتغال الرموز في النص‪،‬‬

                                                               ‫وهو اشتغال من الممكن‬

                                                               ‫تتبعه من خلال بنية‬

                                                               ‫الصورة الشعرية انطلا ًقا‬

                                                               ‫من المؤتلف والمختلف بين‬

                                                               ‫مختلف الرموز الموظفة في‬

                                                               ‫تواشجها أو في تنافرها‪.‬‬

                                                               ‫وهي علاقات حولت حركة‬

                                                               ‫الرموز داخل القصيدة إلى‬

‫الهادي عياد‬  ‫جون شوفاليه‬                            ‫خليل حاوي‬  ‫سؤال فلسفي‪ .‬فالرمزي‬
                                                               ‫إذن أداء فني ينقل النص‬

                                                    ‫إلى بقع بيضاء‪ ،‬صامتة‪ ،‬مساحات مثقلة بالثقوب‬

   ‫«الرمزي» يجعلنا في مواجهة مباشرة مع النص‬         ‫والبقع الفارغة‪ .‬في السياق ذاته اعتـبر كاميل تارو‬
‫باعتباره ممارسة لغوية فردية تخص الشاعر دون‬
                                                    ‫في كتابه ‪Le symbolique et le sacré, théories‬‬
   ‫غيره‪ ،‬ويتعلق بقارئ دون غيره‪ .‬وهو ما يدفعنا‬
   ‫إلى الاهتمام بالعلامـة المندرجة في السياق قصد‬    ‫‪ de la religion‬وتحدي ًدا في الجزء المخصص‬
 ‫ضبط الدلالة‪ .‬فلئن كان «الرمز» استدعا ًء لمختلـف‬    ‫لـ‪ L’équivoque du symbolique :‬أن مصطلح‬

       ‫المقولات من سمات ومبادئ‪ ،‬فإن «الرمزي»‬        ‫الرمزي غارق في الغموض(‪ )1‬وهو ما برهن عليه‬
      ‫يفترض قراءة تأويلية للنص وتقصي دواله‪.‬‬
     ‫فالرمزي ممارسة دالة تنبع مـن داخل النص‪،‬‬        ‫تودوروف حين ربط الرمزي بالمعنى غير المباشر‬
 ‫إنه الوقوف على طرائق اشتغاله ودلالاته‪ ،‬وهو ما‬
‫يفضي بنا إلى تقصي شتى أبعاده الجمالية»(‪ .)6‬أما‬      ‫للنص من خلال التأويل(‪ .)2‬أما كاسيرر فقد ربطه‬
  ‫فيما يتصل بالرمز لا بد من الإقرار بأنه من غير‬
  ‫الممكن تعريف الرمز تعري ًفا جام ًعا‪ ،‬وهو ما يؤكد‬             ‫بالثقافة الإنسانية(‪.)3‬‬
‫عدم جدوى المنهج التاريخي في تعقب ماهية المفهوم‬
 ‫المتراكم طيلة عقود من الزمن‪ ،‬فتعريف الرمز يظل‬      ‫«فالرمزي إذن هو محاولة استثمار للرموز في‬
 ‫رهين تعقبه في مختلف المجالات الأدبية والفلسفية‬
‫والعلمية والنفسية‪ .‬وهذا ما نجده صراحة في كتاب‬       ‫النص الشعري بعد أن تحرر من مرجعيته القديمة‬
 ‫نظريات في الرمز حيث يؤكد تودوروف أن الإلمام‬
  ‫بالمصطلح استحالة طبيعية‪ ،‬وأن ما يكتبه الباحث‬           ‫مكتسبًا قيمة دلالية جديدة تقوم على الكثافة‬
 ‫من بداية حياته إلى آخرها لا يعدو أن يكون فص ًل‬     ‫والاختزال والإيحاء‪ ،‬وهو ما يدفع لانتهاج التأويل‬
                                                    ‫سبي ًل للفهم‪ .‬فالرمزي يسكن النص دون أن نعرف‬
           ‫من فصول الرمز في التراث الغربي»(‪.)7‬‬
                                                    ‫مكانه على وجه التحديد‪ .‬وهذا ما لا يتوفر في الرمز‬

                                                    ‫أو الرمزية لوجودهما خارج النص‪ .‬يدفعنا هذا‬

                                                    ‫الفهم إلى الإقرار بأن الرمزي هو تصريف ذاتي‬

                                                    ‫للغة يتعدد بتعدد القراء والقراءات‪ .‬وأما الرمز فهو‬

                                                    ‫مجموعة من الأفكار المسبقة والتصورات والرؤى‪.‬‬

                                                    ‫فإذا أردنا البحث في مفهوم الرمز يمكن العودة على‬

                                                    ‫سبيل المثال إلى المعاجم»(‪ ،)4‬وهو ما دعا إليه جون‬

                                                    ‫شوفاليه في مقدمة معجم الرموز(‪« .)5‬إن البحث في‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32