Page 33 - merit 53
P. 33
31 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
لهذا السلب ،غير أنه هنا ل َّوح بالظلمة ،أو لوازم بكنيسة ،وإنما هو صلصلة أو صوت ،أو حتى
تلك الظلمة (من حول المركبة الدخانية) ،إذ نقلها صدى عجلات وهمية؛ لنقبض على دلالة السلب
من عربة تفور بالسواد ،إلى مركبة تعترك بالدخان؛ الممتدة من الظلمة إلى السواد إلى الصلصلة إلى
ليعطي إيحا ًء ،بل إحسا ًسا بحالة الحرق ،بل الخرق
لمقدرات الواقع المتحرك المهترئ ،بين عربة سوداء الوهم.
تلزم الغرفة ،ومركبة دخانية يطاف حولها ،أو من
حولها ،وكأنه هنا ينوع الوسائل الحركية؛ ليعمق ثان ًيا :الخدم الأجراء بين الطواف ورمي
الإحساس بدلالة السلب ،بد ًءا من الظلمة ،ومرو ًرا البذور الخضراء
بالهاوية والشرفة والسواد والوهم والدخان ،فض ًل
عن الحرق أو الاحتراق ،و الدخان أحد مخرجاته. وينقلنا الشاعر صلاح عبد الصبور عبر قصيدته
على أن الشاعر صلاح عبد الصبور -بوصفه شاع ًرا تلك نقلة نوعية في سياق السلب ،حيث يواجهنا
ثائ ًرا دو ًما -نلحظه هنا بعد أن أشبع القصيدة بحركية أخرى تختص تلك المرة بالخدم والأجراء
بجملة من مقدرات السلب ،نلحظة يقفز خطوة نحو (خدم الظلمة والأجراء) ،وإن كان ألزم خد ًما للظلمة
الإيجاب ،حيث يصنع من هؤلاء (الخدم) وأولئك بالإضافة إليها ،فإنه قد أفرد الأ ُج َر َاء ،وعطف بهم
(الأجراء) باعثي الحياة ،إذ (يلقون بذور الوجد على أولئك الخدم؛ ليعكس لنا حالة السلب ،وأن من
الخضراء) ،إنهم هنا ير ِّممون الحياة ،بل يجددونها، ينهض بالإصلاح أو الإيجاب ،إنما هم الطبقة الدنيا،
عن طريقين أو سبيلين ،بل ثلاث ،الأولى :بإيراد
لفظه (الإلقاء) ،وما يبثها من إيحاء التحية والسلام، بل الأدنى ،وكأنه يعادل فنيًّا بين واقعه المعيش
وواقعه الفني ،وأن من سيصنع النهضة ،إنما هم
وليس الرمي أو القذف ،والثاني :بإيراد لفظة
(بذور) ،وما يستبتعه من نبت وزرع ،و(الوجد) الكادحون.
وقد كان للشاعر صلاح عبد الصبور ما أراد حيث
ما يستتبعه من بعد معنوي ،يرتبط بالمشاعر
والأحاسيس ،فيشخص من تلك البذور مشاعر ،أو وضعهم في سياق الماضي ،أي أنهم نهضوا ،أو
حتى حاولوا النهوض (طافوا من حول المركبة
بالأحرى (وج ًدا) ،وتتعاظم تلك الدلالة الإيجابية الدخانية) ،وبالرجوع إلى الفعل هنا نلحظه يحاكي
حينما يختتم ذلك المقطع بلفظة (الخضراء) ،كنعت،
أو صفة للبذور ،وما توحى به تلك اللفظة من دلالة ذلك النهوض بحركيته ودلالته ،فالطواف تم
الخضرة والتجدد والنماء ،فما كان يطاف من حوله (طافوا) ،ودلالته توحي إلى البعد الإيجابي ،وما
بالأمس -البيت ينطوي عليه من لوازم ،بل مكتسبات دينية (عمرة
الذى يسبقه- وح ًّجا) ،وكأن الطواف هنا إيحاء بمقدم الإيجاب
أتى بثماره
اليوم حيث
(الإلقاء والبذور
والوجد
والاخضرار)،
قد جاء متواف ًقا،
بل مؤك ًدا رؤية
صلاح عبد
الصبور للتغيير
آنذاك ،إذ كانت
تلك الفكرة