Page 37 - merit 53
P. 37

‫‪35‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

     ‫ودينيَّ ٍة لها مكان ُتها العظيم ُة لديها؛ بوصفها‬       ‫خياليَّ ًة‪ ،‬وإن و ِص َفت بشك ٍل أسطور ٍّي بأ َّنها من‬
   ‫رمو ًزا تمثِّ ُل ماضيها العري َق الذي تفتخ ُر به‪،‬‬        ‫نس ِل الآلهة‪ ،‬لأ َّن ثل َثه إل ٌه و ُثلثي ِه الباقيين إنسا ٌن‪.‬‬
 ‫والذي تق ِّدمه بأفض ِل صو ِر التَّمجي ِد والتَّقدي ِس‬
                                                                ‫هكذا ولِ َدت ال ّسير ُة بوصفها شك ًل تاريخيًّا‬
       ‫والبطول ِة‪ .‬وهكذا ولِ َدت ال ِّسير ُة من رح ِم‬          ‫وأدبيًّا بذات الوقت؛ تاريخيًّا لأنها تتح َّدث‬
   ‫ال َّذاكر ِة الجمعي ِة والمخيا ِل الشعبي‪ ،‬وارتبطت‬           ‫عن شخصي ٍة تاريخيّ ٍة‪ ،‬وأدبيًّا لأ ّنها تحكي‬
‫بالشخصيا ِت الجمعي ِة‪ .‬فهل ظلَّت‪ ،‬هكذا‪ ،‬مرتبط ًة‬
   ‫بالحدي ِث عن شخ ٍص ما‪ ،‬تروي قص َته‪ ،‬فقط؟‬                     ‫ق ّص ًة محبوك ًة ومؤسطر ًة‪ ،‬وذا َت أحدا ٍث‬
    ‫إن تت ُب َعنا لمسا ِر السير ِة الغيري ِة عبر التاري ِخ‬  ‫بطولي ٍة وخارق ٍة للمألو ِف‪ .‬وولِ َدت‪ ،‬أي ًضا‪ ،‬من‬
    ‫منذ ملحم ِة كلكامش‪ ،‬وحتى وقتنا المعاصر‪،‬‬                 ‫رح ِم المخيا ِل ال َّشعبي في نظرته للشخصيا ِت‬
  ‫سي َض َعنا أما َم ك ٍّم هائ ٍل من السي ِر الغيرية عن‬
 ‫شخصيا ٍت عظيم ٍة وأخرى ذات أهمي ٍة تاريخي ٍة‬                ‫التاريخي ِة والرمزي ِة التي ُتم ِّجدها‪ ،‬وتمنحها‬
                                                               ‫مكان ًة كبرى في ذاكر ِتها وماضيها‪ .‬ومنها‬
      ‫ليست كبير َة الشأ ِن‪ ،‬مثلما ُيكتب عن سي ِر‬            ‫نشأت سي ُر الق ِّديسين وقص ُص الأنبيا ِء‪،‬‬
   ‫شخصيا ٍت سياسي ٍة واجتماعي ٍة وقبلي ٍة كثير ٍة‬           ‫وبضمنها السير ُة النبوي ُة‪ ،‬والشخصيات‬
   ‫بدوافع دعائي ٍة وترويجي ٍة‪ .‬وهذا بالقد ِر الذي‬           ‫ال ِّدينية المقدسة‪ ،‬وأي ًضا‪ ،‬السير الشعبيّة كسير ِة‬
                                                              ‫عنترة العبسي‪ ،‬والأمير ِة ذا ِت اله َّم ِة‪ ،‬والأمي ِر‬
     ‫يكش ُف عن مدى أهمي ِة هذا الشك ِل التأليفي‬                ‫حمزة البهلوان‪ ،‬والسير ِة الهلالي ِة عن بطلها‬
    ‫في حيا ِة المجتمعا ِت البشري ِة التي لم َتستغن‬          ‫العشائر ِّي ال َّشهير أبي زي ٍد الهلالي‪ ،‬والتي‬
     ‫عنه من ُذ الآ ِف السنين‪ ،‬بقدر ما يكشف عن‬               ‫يع ُّدها بع ُض الباحثين المعاصرين أ َّنها‪ ،‬أي ًضا‪،‬‬
 ‫مدى انفتا ِحه على الكتاب ِة‪ ،‬بشك ٍل واس ٍع‪ ،‬ومدى‬           ‫الحضارا ِت‬   ‫لاكمتلخحتلم ِةف‪،‬كلككاثيم ًرا‪،‬ش‪،‬عونململحامتح ِمي‬  ‫ملاح َم‬
                                                               ‫الإلياذة‬                                                   ‫القديم ِة‬
             ‫توظيف ِه سياسيًّا واجتماعيًّا ودينيًّا‪.‬‬           ‫والأوذي َّسة اليونانيَّتين؛ التي تتح َّدث أُولاها‬
     ‫حتى أصبحت ال ّسير ُة ن ًّصا أيديولوجيًّا‪ ،‬أو‬           ‫عن الفار ِس الإغريقي أخيل‪ ،‬والثَّانية عن الأمي ِر‬
‫بالأحرى أد ًبا أيديولوجيًّا‪ ،‬ليس بمعناه التَّعبو ِّي‪،‬‬
     ‫إ َّنما بخصائصه الفكر َّية والقيميَّة‪ ،‬فال ِّسيرة‬      ‫الإغريقي أوليس أو عوليس‪ ،‬وكذلك ملحمة‬
  ‫الدينية تض ُّخ قي ًما ديني ًة لل ِّدين الذي تعبِّر عنه‬
      ‫ال ّشخصي ُة المكتوب عنها؛ كقصص الأنبياء‬               ‫الإنياذة ال ُّرومانيّة عن شخصيَّة البطل إينياس‬
 ‫والسيرة النبوية‪ .‬والسي ُر التاريخية تض ُّخ قي ًما‬                                            ‫ال َّطرواد ّي‪.‬‬
   ‫سياسي ًة واجتماعي ًة لأيديولوجيا الدولة الذي‬
     ‫تعبِّر عنه‬                                             ‫وهكذا نرى ملاح َم ال ّشعو ِب و ِسي َرها الشعبي َة‬
   ‫الشخصية‬                                                  ‫عبار ًة عن سي ٍر غير َّي ٍة عن شخصيّا ٍت سياسيَّ ٍة‬
      ‫المركزية‬
‫للسيرة سواء‬
     ‫ما تجسد‬
    ‫في الملاحم‬
     ‫أو ال ِّسير‬
    ‫التاريخية؛‬
‫كسير الخلفاء‬

       ‫والملوك‬
     ‫والح َّكام‪،‬‬
 ‫بعضها ش َّك َل‬
     ‫نصو ًصا‬
   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42