Page 92 - merit 53
P. 92
العـدد 53 90
مايو ٢٠٢3
أشرف القرقني
(تونس)
في سبيل الجنة
ليحضنها الغبار. «لطالما تخيل ُت الجنة مكتب ًة ضخمة»
صر ُت أستقبل الزائرين في جنتي من السابعة خورخي لويس بورخيس
صبا ًحا إلى منتصف الليل .وهو أم ٌر ُمحف ٌز ج ًّدا،
إ ْذ تؤك ُد إحصائيات القراءة العالمية أن حملات في نهاية المطاف ،قرر ُت ألا أؤجل تلك الفكرة
المجنونة أكثر .فمن فرط إدماني كت َب بورخيس،
التشجيع على المطالعة وأساليبها المغرية في فتح ُت مكتب ًة خاص ًة للعموم وسمي ُتها الجنة.
بلادي بلغ ْت درج ًة من النجاعة صار معها وبالطبع ،لم أشترط على الداخلين ميزا ًنا من
معد ُل القراءة العام يتخطى السطر الواحد الحسنات والصالحات ،بل معلوم اشترا ٍك يضم ُن لي
الرزق. اقمستتمبرا َحرملم ٍة إشرشوهاعرييةولممكوترب ًدتايبالسعيمًطاومميةن
لدى الفرد الواحد .ولا أخفيكم س ًّرا إذا على الخاصة
قل ُت لكم إن تلك الحملات لا تخرج في صفحات فايسبوك المهتمة بالكتب والمطالعة .وتلقي ُت
ظني عن إطار المؤامرات الخارجية المغرضة، عد ًدا هائ ًل من التعاليق الساخرة أو َل الأمر .كانت
وسرعان ما تفندها الآلاف المؤلفة من الكتب تعالي َق تدور حول الاسم .فبع ُضهم قال لي« :لن
التي تباع في مكتبات بلادي كل يوم ،بل تفندها نزور جنتك إلا إذا جعل َت لها سبعة أبواب» .وردد
مكتبتي ذاتها ،فقد صر ُت شيئًا فشيئًا أشهر مخلوق آخرون الفكر َة ذاتها في تعاليقهم كأنها مستنسخ ٌة
حي في تونس .تتحد ُث عني كل مواقع التواصل في جميع الرؤوس ،أتحفكم هنا بأكثرها لطفا:
الاجتماعي لي َل نهار .فلفت ْت بذلك انتباه القنوات «حوسآرتاليعفيون ًر»ا،.وفلالذلركجاأءكإدزُاتحلةه املبكا ُتلأبسعلونبطنرفيق ِسيه إلى
التلفزية .فراحت تلوك بدورها حكاي َة حلم الكاتب بأني لس ُت قاد ًرا إلا على توفير العنب .ولك ْن عليهم
الأرجنتيني الذي عجزت بلاده عن تحقيقه وحقق ُه أن يجدوا مكا ًنا ينكحونه فيه خار َج جنتي.
يبدو أن انتشار التعاليق الساخرة على صفحات
شاب تونسي. فايسبوك هو ما استقدم إلى مكتبتي مئات الزائرين،
لم يك ْن في مكتبتي زما ٌن .لا ،لا ،أنا لا أتحدث وقد تحولوا على التدريج إلى مشتركين أوفياء،
مجا ًزا .كل َمن يدخل هناك يغرق في هو ٍة لا زمانية، يجلسون الساعات الطوال يتصفحون الكتب
حتى انتابني الشك في أنهم لا يشعرون بالجوع ولا ويتأملون الموسوعات والمجلات والدوريات وكل
بالعطش ،ولا يعرفون التعب والإعياء أو الحاجات ما استطع ُت توفيره في مكتبة عمومية ،وهي في
الضرورية التي يمليها على الناس جمي ًعا الواج ُب الحقيقة مكتبتي الخاصة التي شكل ُتها منذ طفولتي
الجسدي .وهكذا قضي ُت أشه ًرا كثير ًة وأنا أنام وبن َهم كبير في الاقتناء والسرقة على حد سواء .كان
في المكتب وأقيم به ،دون أن يطول شع ُر لحيتي أو الأمر بسي ًطا بالنسبة إلى ولد فقير مثلي :إذا وجد ُت
عانتي أو أضطر إلى القيام بأي عمل يدل على أنني المال اقتن ْي ُت .أما إذا كن ُت مفل ًسا ،فأنا أسرق شريط َة
أخضع لما يسمى عادة بالزمن .لقد كان الأب ُد ساكنًا أن تكون ضحيتي تاج َر كت ٍب ثر ًّيا أو مكتب ًة عمومي ًة
في جنتي ح ًّقا .ولم أستطع فه َم الأمر أو شر َحه
للسائلين الذين انهالوا عليَّ ،قبل أن تبدأ روايا ٌت وطني ًة ُتلقى الكنو ُز فيها على امتداد السنوات
كثير ٌة في التقلب بين فايسبوك وتويتر
ويوتوب .قيل إنني ساح ٌر ملعو ٌن،
وقيل أي ًضا إنني رج ٌل مبارك .بل ثمة