Page 96 - merit 53
P. 96

‫العـدد ‪53‬‬  ‫‪94‬‬

                                                               ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

‫عمار‬  ‫الاسمين!‬  ‫تنس ْي‬  ‫لا‬  ‫هنا!‬  ‫المشرحة! لا تتركيني‬             ‫بجسمي‪ ،‬تجولت اليد من على رأسي حتى حطت‬
                                        ‫وعبد الجبار‪..‬‬            ‫أخي ًرا على كتفي‪ ،‬تجمدت بمكاني‪ ،‬وصل مسامعي‬
‫وفجأة تغيرت نبرة صوتها من ناعمة إلى حادة‬
                ‫مشيرة بيدها إلى زاوية بالمشرحة‪..‬‬                                                   ‫صوت ناعم‪:‬‬
      ‫أجلت بصري حيث أشارت فلمحت خيالين‬                                                           ‫‪ -‬أنا عائشة‪..‬‬
  ‫يخترقان الممر الذي صار حاليًا قات ًما ويحثان‬                  ‫اِلتفت لأرى من تكون عائشة‪ ،‬فإذا هي نفس الفتاة‬
‫الخطى نحوي‪ .‬تبينت شكل أحدهما؛ كان حارس‬                          ‫الفاتنة تقف خلفي‪ ،‬دققت النظر وسط الظلام الذي‬
‫المشرحة يتقدم باتجاهي ممس ًكا بساطور ضخم‪،‬‬                      ‫زحف فجأة فلمحت باقي الجثث تتحرر من أدراجها‬
      ‫نفس الساطور الذي رأيته بالكابوس‪.‬‬                         ‫المظلمة بعد أن توقف القرع العنيف بداخلها‪ ،‬صارت‬
      ‫لعممي«جعب ْنبيجوباهرو»؟ماسٍأضلتفهيباتقسدتمغه‪.‬رااِلبت‪.‬فت‬       ‫جميعها تتقدم نحوي؛ كان بعضها بدون ذراع‬
      ‫إلى مرافقه‪ ،‬أُمعن النظر بملامحه ع ِّل‬                     ‫والبعض الآخر بدون ساق‪ ،‬كان أحدها يحمل قلبه‬
                ‫أتبين من يكون‪ ،‬إ ْذ كان يقترب مني‬                   ‫على كفه بينما ثقب بحجم القلب يبدو جليًّا على‬
                ‫بهدوء كما كان يثبت قفازات جلدية‬                ‫صدره كأن ي ًدا حرفية انتزعته بمهارة‪ ،‬وآخر يحمل‬
                                  ‫سوداء على يديه‪.‬‬               ‫كليته بين كفية وثقب لا يزال مفتو ًحا أسفل بطنه‪،‬‬
                        ‫وفي محاولة للنجاة‪ ،‬وقعت‬                   ‫وهذه جثة امرأة لا أثر لنهدين قد يسكتان جوع‬
                ‫وارتطم رأسي بحافة المنضدة‪.‬‬                                ‫رضيع كانت تحمله بذراعيها الاثنتين‪..‬‬
                        ‫طفقت أبحث بعينين زائغتين‬                ‫كدت أصرخ بوجه «عائشة» أن أبعديهم عني حتى‬
                            ‫عن موضع لقدمي قبل أن‬                  ‫رأيت ملامحها تتغير‪ ،‬ثم علت نبرة صوتها وهي‬
                            ‫أتبين أنني بغرفة نومي‪،‬‬               ‫تمرر كفها على رأسها‪ ،‬تتحسس موضع الإصابة‪:‬‬
                ‫بمحاذاة الطاولة حيث أوراقي‬                        ‫‪ -‬أنا عائشة‪ ..‬كنت أهم بمغادرة المعهد لما توقفت‬
                        ‫مازالت على حالها بصفحاتها‬                   ‫سيارة‪ُ ،‬فتح بابها ودفعتني أياد عنوة داخلها‪..‬‬
                        ‫البيضاء الشاغرة‪ .‬أذكر أنني‬                   ‫شعرت بإغماءة بينما هي مستمرة في قصها‪:‬‬
                            ‫كنت منهمكة بالبحث عن‬                  ‫اِ«نالعقسدائلقساينديعىوأنعامالاًراأ‪..‬صودمقرافماقهأرعبىد اوألجسبمارع‪..‬حتى‬
                        ‫بطل يسرع أحدا ًثا لنص لم‬                   ‫وجدتني أتقهقر إلى الوراء لما اقتربت مني أخي ًرا‬
                                  ‫يراودني بع ُد‪.‬‬               ‫الجثث المتحدية لصمتها‪ ،‬كنت أظنها مسلوبة الإرادة‬
                ‫أدرت رأسي بذهول لا أصدق‬                            ‫لكنها تحلقت حولي وحاصرتني‪ ،‬أغمضت عيني‬
                            ‫ما أرى‪ ،..‬فقد كان زوجي‬                                               ‫ووقعت أر ًضا‪.‬‬
                ‫يتابع حركاتي وهو يقترب مني‬                     ‫لم أستفق إلا على روائح الكحول تملأ أنفي وقطرات‬
                                  ‫بهدوء‪:‬‬                         ‫ماء باردة تسكب على وجهي‪ .‬فتحت عيني بتثاقل‪،‬‬
                                  ‫‪ -‬يبدو أنك‪ ..‬وقع ِت‪.‬‬                                          ‫لم أتبين المكان‪.‬‬
                                  ‫‪ -‬ماذا؟‬                          ‫تأملني العم عبد الجبار‪ ،‬حارس المشرحة الليلي‪،‬‬
                ‫صمت فجأة لما وقع بصري على‬                                                        ‫محمل ًقا بعيني‪:‬‬
                ‫الورقة والقل ُم إلى جانبها‪ ..‬لا أذكر‬               ‫‪ -‬هل تنوين إعداد تقرير عن «الفاتنة»‪ ،‬مجهولة‬
                 ‫أنني كتبت هذا الكم الهائل الذي‬
                ‫أراه زحف في غفلة على بياض‬                                                              ‫الهوية؟‬
                ‫الصفحة‪ ،‬محو ًل نصاعتها إلى‬                        ‫‪ -‬لا‪ ..‬لا‪ ،‬أب ًدا‪ ،‬يبدو أنني‪ ..‬كأنني رأيت كابو ًسا‪..‬‬
                ‫قتامة غطت أغلب الفراغات‪ .‬أمعنت‬                   ‫كنت أعجب من وجودي بالمشرحة‪ ،‬فأنا على يقين‬
                ‫النظر؛ إنه بخط يدي‪ ..‬قربت الورقة‬               ‫أنني كنت بالبيت‪ ،‬أحاول عبثًا خط فكرة تنفع لبداية‬
                ‫لأقرأ محتواها بصوت واهن‪« :‬أنا‬                    ‫قصة قصيرة‪ .‬اِقتربت من درج «الجميلة الفاتنة»‪،‬‬
                                  ‫عائشة»‪..‬‬                       ‫جذبته لأتأكد أنها ترقد بسلام‪ ،‬فتحت عينيها‪ ،‬ثم‬

                                                                                        ‫بصوتها الرقيق همست‪:‬‬
                                                                  ‫‪ -‬لس ِت بكابوس‪ ،‬صدقي ما رأيت وانقذي نزلاء‬
   91   92   93   94   95   96   97   98   99   100   101