Page 98 - merit 53
P. 98

‫العـدد ‪53‬‬                            ‫‪96‬‬

                                                                 ‫مايو ‪٢٠٢3‬‬

‫خيرة الساكت‬

‫(تونس)‬

‫العنقاء تتربص بنا‬

                ‫لا تعرفين كم أتوق لرؤية أولادك!‬      ‫انتصبت أمام الفرن الحجري تلقمه الحطب فتزداد‬
  ‫لن تخسري شيئًا‪ .‬لقد طلبت رؤيتك‪ .‬ستقرأ كفك‪.‬‬                                           ‫النار التها ًبا‪.‬‬

             ‫هذا كل ما في الأمر حبيبتي‪ ..‬أرجوك!‬     ‫جوف الفرن أحمر متقد فمه مفتوح كجحيم مستعد‬
 ‫تحت إلحاحها تبعتها متبرمة‪ .‬كانت المنجمة تجلس‬                               ‫لابتلاع جميع الخطائين‪.‬‬
 ‫تحت شجرة ليمون في حديقة منزل زوجة المعتمد‪.‬‬
                                                       ‫نفذ منها الحطب فألقت بقطتها ثم كلبها‪ .‬التفتت‬
       ‫أحاطت بها البنات والنسوة والأطفال‪ .‬انتفخ‬        ‫نحوي‪ .‬هجمت عليَّ وجعلت تجذبني نحو الفرن‪.‬‬
  ‫صدرها جراء النقود والقطع الثمينة التي تتسلمها‬      ‫صرخت بأعلى صوتي طالبة العون ولكنها صمت‬
‫لقاء قراءة الطالع والتي تدسها فيه‪ .‬بدت واثقة مما‬
                                                                                        ‫أذنيها عني‪.‬‬
                                ‫تقوله لزبوناتها‪.‬‬                               ‫لسعتني ألسنة اللهب‪.‬‬
‫تتفرس في الكفوف والوجوه‪ .‬تتبع الخطوط وتترجم‬                             ‫انتفضت من نومي مذعورة‪..‬‬
                                                     ‫مرة أخرى نفس الكابوس‪ .‬تلك المرأة المشؤومة لا‬
  ‫الخوف والرغبة اللذان يطغيان على نظرات حائرة‬                     ‫تفارق ذهني منذ أن لفظت نبوءتها‪.‬‬
‫ترسلها العيون وصدور وجلة تزفر بألم خشية من‬          ‫قبل أسبوع َق ِد َمت إلى حينا‪ .‬تزامن مجيؤها مع يوم‬

                               ‫المستقبل المجهول‪.‬‬                                            ‫العطلة‪.‬‬
‫تعصب رأسها بمنديل أحمر‪ .‬تتحسس قلادة الخرز‬                            ‫هرعت إليها كل النسوة والبنات‪.‬‬
‫التي استقرت في رقبتها بيد مكتنزة تزدحم بأساور‬       ‫من بينهم أمي طب ًعا لكي تستطلع عندها إذا ما كنت‬

                                         ‫فضية‪.‬‬                                      ‫سأتزوج قريبًا‪.‬‬
     ‫دفعتني أمي أمامها فناولتها كفي باسطة إياها‬      ‫‪ -‬لا يمر الأسبوع دون أن أقرأ كتابين على الأقل!‬
 ‫وكلي أمل أن تنطق كلا ًما مفر ًحا لأمي لعلها تدعني‬
                                                                 ‫كيف تلجئين إلى هذه المنجمة يا أمي؟‬
           ‫وشأني وتكف عن الحديث عن الزواج‪.‬‬                         ‫‪ -‬إلى من تريدين مني أن ألجأ إ ًذا؟‬
                    ‫تأملت كفي‪ .‬قالت بعد شرود‪:‬‬                               ‫إلى الكتب التي تقرئينها؟‬
                           ‫‪ -‬لا فائدة! بغلة جهنم‬                           ‫هل تنوين الزواج بالكتب؟‬
                            ‫سحبت يدي بسرعة‪.‬‬
                                                      ‫أنت كل ما أملك في هذه الحياة ولم أرزق بغيرك!‬
 ‫عدت إلى المنزل غاضبة‪ .‬امرأة محتالة وقليلة الأدب‬
   93   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103