Page 99 - merit 53
P. 99

‫‪97‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫القصة في تونس‬

 ‫خيالات وصور حول الجنس الآخر عمقتها وزادت‬                                                ‫أي ًضا‪ .‬اللعنة!‬
    ‫من مساحتها وسامة ابن جيراننا الذين تجمعنا‬         ‫ظلت أمي تتبادل مع المنجمة الوشوشات والأحاديث‬

‫بهم جيرة وقرابة وضحكات مشتركة وأشياء حلوة‬                                                   ‫الخفيضة‪.‬‬
                            ‫بطعم الحب والغبطة‪.‬‬              ‫بعثرت أوراق العمل علي طاولتي‪ .‬عجزت عن‬

‫أذكره في حديثي مع البنات وأبتسم‪ .‬أنسج قص ًصا‬                                   ‫التدقيق فيها وإصلاحه‪.‬‬
                           ‫وحكايات عن علاقتنا‪.‬‬               ‫تناولت رواية كنت قد بدأت قراءتها في الليلة‬
                                                             ‫الفارطة‪ .‬واصلت القراءة بأعصاب متشنجة‬
                    ‫أرفع رأسي عاليًا وأقول لهن‪:‬‬
                                  ‫‪ -‬إنه يحبني!‬                                      ‫وأوداج مشدودة‪.‬‬
                                                                      ‫دخلت أمي غرفتي فبادرتها بالقو‪:‬‬
       ‫يغبطنني ويبادرن إلى معاضدتي في أحلامي‬                          ‫‪ -‬لا أريد حديثًا في هذا الموضوع!‬
                                     ‫وحكاياتي‪.‬‬           ‫لقد أهانتني! لن أفعل أي شيء تطلبينه مني بعد‬

     ‫إلى أن كان ذلك اليوم الفريد والذي شكل نقلة‬                                                  ‫الآن‪.‬‬
              ‫نوعية في نظرتي له ونظرتي للحياة‪.‬‬              ‫‪ -‬أنت فقط ابتعدي قلي ًل عن الكتب والأوراق‬

     ‫أمر بمحاذاة منزلهم متباطئة‪ .‬يخلو المكان من‬                                       ‫واهتمي بنفسك!‬
     ‫الحركة‪ .‬عائلته منصرفة للاحتفال بزواج أحد‬         ‫تزيني واذهبي معي إلى حفلات الزفاف والمناسبات!‬
   ‫أقاربهم في قرية أخرى‪ .‬فرن الحطب ينبعث منه‬
‫دخان أبيض خفيف ينتشر في الفضاء بحركة مائلة‬                           ‫هناك يمكن أن تلتقي رج ًل مناسبًا‪.‬‬
                                                                        ‫‪ -‬أهذا ما قالته لك تلك المنجمة؟‬
                      ‫تتفاعل مع حركات النسيم‪.‬‬
‫تساءلت في نفسي «من سيهتم بالفرن؟ لمن تركوه؟‬           ‫تريدك أن تعرضيني أمام الجميع كما ُتعرض السلع‬
                                                                                           ‫والبضائع؟‬
           ‫ستثقبه الرياح يتحول جمره إلى رماد»‪.‬‬
      ‫اقتربت من الفرن أتفقده وأضيف التراب إلى‬                            ‫من قال لك أنني أبتغي الزواج؟‬
     ‫جنباته‪ .‬يد دافئة تمسك كتفي برفق‪ .‬استدرت‬              ‫‪ -‬لقد تجاوزت الخامسة والثلاثين! ماذا تبتغي‬
 ‫معتدلة في وقفتي‪ .‬وجدتني قبالة ابتسامة عريضة‬
                                                                                  ‫امرأة في مثل عمرك؟‬
             ‫أربكتني ليفور الدم في وجهي خج ًل‪.‬‬         ‫سأرفع الأمر لأبيك‪ .‬فليزوجك من أول رجل يتقدم‬
           ‫‪ -‬أنت تساعدينني يا حلوة‪ ..‬شك ًرا لك!‬
 ‫وقبل أن أعرف أي اتجاه أسلكه لكي أهرب جذبني‬                                   ‫لك حتى ولو كان فحا ًما!‬
    ‫إليه وطبع قبلة على شفتي‪ .‬كدت أقع على الفرن‬                       ‫المهم أن تتزوجي وتكون لك عائلة!‬
                                                       ‫ف َّحام! قلت وقد هاجمتني ذكريات المراهقة والحب‬
                       ‫وأفسد عمل أيام وأحترق‪.‬‬
‫نجوت بأعجوبة من الاحتراق لكني وقعت في شرك‬                                         ‫الأول في باقة واحدة‪.‬‬
                                                                            ‫‪ -‬هل مازال هناك يا ترى؟‬
    ‫تلك القبلة الدافئة‪ .‬لم أكن أعرف أن هناك شيئًا‬         ‫ذلك الجبل الذي كنا نسكنه قبل أن يموت جدي‬
     ‫أطيب من العسل في الحياة‪ .‬رافقني ذلك المذاق‬           ‫ويبيع أبي الأرض والمنزل ويتوجه نحو المدينة‪.‬‬
                                                       ‫يصنع أغلب سكان جبلنا الفحم ويبيعونه للمدينة‪.‬‬
                                       ‫لسنوات‪.‬‬                    ‫وكان جدي وأبي يمتهنان نفس العمل‪.‬‬
 ‫ابتعدنا عن القرية ولم أستطع أن أتخلص من وقع‬          ‫نشأت بين أفران الحطب والدخان متصاعد من أمام‬

                          ‫تلك الحادثة في نفسي‪.‬‬                                              ‫كل منزل‪.‬‬
           ‫بدأت أشباح تهيؤات بالطواف في عقلي‪.‬‬               ‫أسفل الجبل استوت مدرستنا كبوابة لقريتنا‬
  ‫ماذا لو صعدت الجبل مرة أخرى؟ ماذا لو بحثت‬
                                                                                              ‫الجبلية‪.‬‬
                      ‫عنه؟ ربما يبتسم لي الحظ!‬         ‫ننزل للتعلم ثم نعود لتسلق الجبل في طرق ملتوية‬
‫لا! لا! أنا امرأة مثقفة لا يليق بي أن أفعل هذا وماذا‬
                                                                ‫لا ترهق سالكها أو هي لا ترهق أبناءها‪.‬‬
          ‫سأقول عند البحث عنه؟ كيف سأعرفه؟‬            ‫بدأت تتفتح فينا زهرات الحب والمشاعر و َن َم ْت لدينا‬
  ‫هل أقول من منكم يعرف شيئًا عن صاحب القبلة‬
   94   95   96   97   98   99   100   101   102   103   104