Page 52 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 52
الأفلام التسجيلية والوثائقية
وبوسع المرء أن يساوي بين الحكاية (الخيال) والخطاب (الوثائقي) ،وهو أمر لا يخلو من
الصحة ،إلا أ َّن فهمه لا يخلو من تعقيد ،لأن الخيال يضع نفسه كليا في خدمة صيغة الملفوظ
الخطابي.
وربما فيلمي المخرج الكبير ستانلي كوبريك "القتل" و "البرتقالة الآلية" نموذج مفسر لذلك ،ففي
الأول يتحدث البطل بشكل مفصل (من خارج الصورة) إلى المتفرج حول ملابسات واقعة جريمة
القتل التي حصلت في شقته والتهديد الغامض الذي يتعرض له ،وفي الثاني يقدم ال اروي (ضمير
المخاطب أنا) خطابا صريحا يتوجه به إلى المشاهد عن طريقته وأصحابه ،في حصولهم على
المتعة دون م ارعاة الضرر الذي يسببونه للآخرين.
وبنفس أسلوب "كوبريك" بوسع الفيلم الوثائقي :
-1أن يرجع في الحكاية إلى شهود العيان أو إلى الابطال ،أنَف َسهم ،أو حتى إلى إعادة بناء
مماثلة للحكاية ،وأن يظهر للعيان من و ارء التعليق على الشاشة أ َّن بوسع الكلمة أن تنطق من
أجساد متحدثين وفاعلين كما في المسرح ،لكن الأبطال في الفيلم لا يجوز أن يكونوا ممثلين
َيْتلُون نصا ،إنما أشخاصا يجسدون أنفسهم ويتحدثون بأسمائهم.
-2يمكن أيضا للفيلم الوثائقي من أن يعرض تاريخا لشهود عيان َمرئّيا ،على عكس المؤرخين،
وأبطالا أحياء كما يحصل في تصوير المقابلات ،أو في شهادات الناس الحقيقيين في مكان
واقعي أصلي.
-3يستطيع الفيلم الوثائقي أن يصور الحكاية كما تحصل مباشرة ،استنادا إلى أحداثها الكبيرة،
التي ربما تكون محفوفة بالمخاطر ،كما في فيلم "موت" يوغسلافيا" للمخرج انغوس مكويين أو
فيلم " ارقب السلاح" للمخرج مارسيل اوفولس حول حصار سا ارييفو.
-4الفيلم الوثائقي يستطيع أيضا أن يُصور أناسا في حياتهم اليومية وفي م ارفقهم الاجتماعية
(سينما مباشرة) ،وبهذا يفتح طريقا ثالثا بين محاكاة د ارمية يؤديها ممثلون وبين خطاب ُيقدمه
تعليق ،كما يسمح من جهة بتسجيل الكلمات أثناء حديث قائليها في موقع الحدث ،ويسمح من
جهة أخرى بتسجيل الحديث أي بتسجيل حكاية وخطاب للناس المعنيين أنفسهم وذلك عبر كل
43