Page 56 - محاضرات في الافلام التسجيلية والوثائقية
P. 56
الأفلام التسجيلية والوثائقية
الزمن) ليصبح ماديا من جهة ما يتصور المرء ،وليتحول العالم المادي من جهة أخرى إلى
صور ،وكما يؤكد أندريه مالرو" إن تجزئة المشاهد في لقطات ،بغض النظر عن الكامي ار
والمصور والمخرج ،هي ما تجعل الفيلم يولد كفن من المشاهد نفسها التي تصور وفقا لطبيعة
التعبير الفيلمي.
وقد ساهمت اكتشافات وإسهامات المونتاج الشكلية في التعبير الفيلمي في وأد المرحلة الانطباعية
في السينما الوثائقية والانتقال إلى السينما التعبيرية ،وفي رسم خط الحامل الزماني المكاني
للأحداث ،ولتحديد ما سمي فيما بعد "الأسلوبية الفيلمية" ،باعتبار أن التناوب الزماني المكاني
هو أساس كل تعبير فيلمي ،عبر الحذف والتركيب المونتاجي لبسط التوتر الد ارمي ،أو ما سماه
فيما بعد المخرج "ف ارنشيسكو" روزي" :الانطلاق من الأحداث نحو معنى الأشياء.
وهو أمر شرحه الباحث السينمائي جيل دولوز عند حديثه عن كيف يحدد المونتاج شكل الأفلام،
وشخصيات المخرجين مدارسهم ،أسلوبيتهم ،أو طريقة سردهم لأفلامهم بالقول:
عندما يقوم المونتاج بعمله ،في ترتيب سلسلة من أج ازء مقطع بصري إلى سلسلة أحجار بناء
لعرض الأفكار بشكل خطي متتابع ،فهو يرتب وينسق ثلاثة أنواع من صور الحركة :صور
الإد ارك ،وصور الفعل ،وصور العاطفة ،وكل صورة من هذه الصور هي وجهة نظر حول الكل
في الفيلم ،وطريقة إمساك بالكل المتنوع".
وهذا ما يعني أن كل جزء مونتاج مفرد ،لا يوجد أبدا بدون علاقة ،لأنه صورة مميزة للموضوع
العام ،الذي يلف كل الأج ازء بنفس القياس في صورة ذهنية عامة ،تجعل المخرج ،ومن بعده
المشاهد ،يعايش الموضوع المعالج وفق نهج معين.
ورغم أن المونتاج هو الذي جعل من السينما لغة وفنا مستقلا ،لكن البعض يجدون أن هذه اللغة
(بسبب المونتاج هي لغة خداع وتلاعب في توليد الدلالات ،لكن ذلك ليس صحيحا بالمطلق،
لأنه بإمكان أي لغة طبيعية كلغة علامات ،أن تعبر من حالة إلى حالة ،عن حقائق وأكاذيب أو
عن معنى ُم َصَّنع أو صادق؟ وبغض النظر عن حقيقة كون المونتاج جعل من الفيلم لغة تعبير
إلا أن بوسع المرء أن يجيب بأن المونتاج جعل منها لغة قابلة للتلاعب ،حتى وإن كان هذا
التلاعب ينشأ من علامات ومعاني ،أو ينشأ من مؤث ارت مفبركة ،إلا أن ذلك يعود بالدرجة
47