Page 37 - موجز_البحوث_والدراسات_والأوراق_العلمية_بعد_تعديل_المستشار27_
P. 37

‫الذكاء الاصطناعي والسلم الاجتماعي‪:‬‬
                      ‫الآثار والمسؤوليات بين الفقه والقانون‬

                             ‫ــــــــــــــــــــ‬
‫هاني محمود‬

‫فتعد الطفرة الرقمية المعاصرة‪ ،‬وما صاحبها من بزوغ نجم ما عرف بالذكاء الاصطناعي من أبرز الظواهر‬
‫التي شغلت حيزا كبيرا من اهتمامات الباحثين‪ ،‬حتى إنها لتدخل في عداد النوازل المهمة على المستوى الدولي؛‬
‫مما يدعو إلى تسليط الضوء الفقهي عليها‪ ،‬تحقيقا لرسالة الفقه الإسلامي السامية في التصدي المستمر لشتى‬

   ‫مستجدات الوقائع؛ إيمانا منا بأنه ما من نازلة إلا ولله تعالى فيها حكم‪ ،‬كما نص عليه غير واحد من الفقهاء‪.‬‬
‫وذلك أن الطفرة الرقمية امتدت وتغلغلت لتصل إلى كل ميدان من ميادين الحياة البشرية في الوقت‬
‫الراهن‪ ،‬وكان لها آثار وانعكاسات على الإنسان والعالم من حوله‪ ،‬فبرزت إشكاليات تستحق الدرس والبحث‪ ،‬وظهرت‬

                                                     ‫تحديات صار لزاما التعاطي معها بالمنهج العلمي الناجع‪.‬‬
‫وكانت التحديات المتصلة بالجوانب الشرعية والقانونية من أظهرها وأكثرها إلحاحًا على قرائح الباحثين‪.‬‬
‫وقد جاء هذا البحث بعد أن عايشت موضوع الذكاء الاصطناعي ردحا من الزمن‪ ،‬متأملا في تجليات‬
‫الظاهرة‪ ،‬متفكرا في مآلاتها على الإنسان والمجتمع والقيم الإنسانية‪ ،‬ملاحظا تباين وجهات نظر المهتمين في‬

                                          ‫تقييم الظاهرة بين مبالغ في شأن الطفرة الرقمية‪ ،‬وغير مكترث بها‪.‬‬
‫وعزمت على ألا أكوِن موقفًا فقهيا إلا بعد الدرس والبحث والتأني؛ عسى أن يفتح الله تعالى بفتح من عنده‬

                                                      ‫للوصول إلى تقييم منصف‪ ،‬وحكم سديد‪ ،‬ومنطق رشيد‪.‬‬
‫وقد استخدمت أسلوب الدراسة المقارنة بين الشريعة والقانون‪ ،‬مع الاستعانة بمقاصد الشريعة الإسلامية‬
‫بوصفها إطارا نظريا ارتأيت أهمية استخدامه في إنارة مثل هذه الظواهر المستحدثة ذات الأثر البالغ على ما أمر‬

                                                      ‫الشرع بحفظه من دين ونفس وعرض وعقل ومال ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫فارتأينا أن هذه المقاصد ينبغي أن تتخذ إطارا منهجيا لدراسة هذه الظاهرة المتنامية التي لو ترك لها‬

                                                    ‫العنان بلا رادع لكرت على مقاصد الشرع بكثير من الإبطال‪.‬‬
‫فالمنحى الذي ننحو إليه‪ :‬أن لمقاصد الشريعة الإسلامية وظائف منهجية ينبغي أن تستثمر في المجال‬
‫البحثي‪ ،‬ومن ذلك أنها "تقوم بدور الوصل والتنسيق بين الأحكام الشرعية بعضها وبعض من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫فإن المقاصد الشرعية تربط بين الأحكام الشرعية وبين الأهداف الاجتماعية المقصودة من تنزيل الأحكام الشرعية‬
‫على الواقعات المتجددة‪ ،‬ومن هنا نلحظ أن المقاصد ‪-‬مثلا‪ :‬فيما يتعلق بنظم الحكم‪ -‬تشكل الآصرة التي تصل‬
‫بين الأحكام التشريعية وعلوم الإدارة‪ ،‬وفيما يتصل بأحكام المعاملات فإن المقاصد تشكل الآصرة لها مع علوم‬

                      ‫الأخلاق والمجتمع‪ ،‬كما أن المقاصد تجد مجالها الفسيح في نطاق السياسات الشرعية"‪.‬‬
‫يقول العلامة علال الفاسي‪" :‬وإنما ننظر في مقاصد الشريعة‪ ،‬ونرجع إلى السياسة الشرعية‪ ،‬باحثين‬

                                               ‫عن طريق التفكير والنظر في الأحكام وإلحاق الأشباه بالنظائر"‪.‬‬
‫ومما يزيد من أهمية استحضار الأبعاد المقاصدية في هذا المقام‪ :‬أنا نجد عجز القوانين بمفردها عن‬
‫مجاراة هذه الطفرة المتسارعة بمتوالية هندسية‪ ،‬فارتأينا أن فائدة البحث الشرعي هي محاولة علاج قصور‬

      ‫المنظورات القانونية عن استيعاب حركة التطور عن طريق استلهام مكنات من داخل الفقه الإسلامي الوسيع‪.‬‬

‫‪36 | P a g e‬‬
   32   33   34   35   36   37   38   39   40   41   42