Page 87 - ثقافة قانونية العدد السادس- للنشر الالكتروني
P. 87

‫ثــقافة قــــانونية‬            ‫( النيابة العامة ) ‪ .‬خامسا ‪ :‬وجود أمر بالضبط و احضار المتهم((( و بناءا علية فقد قامت محكمة النقض بممارسة نوع من رقابة الامتناع‬
                               ‫او التعطيل على تلك المادة فى حكمها الصادر بالاتى « لما كانت المادة ‪ 54‬من الدستور قد نصت على أن « الحرية الشخصية حق طبيعى وهى‬
                               ‫مصونة لا تمس‪ ،‬وفيما عدا حالة التلبس‪ ،‬لا يجوز القبض على أحد وتفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه‬
                               ‫التحقيق «‪ .‬وكان مؤدى هذا النص أن أى قيد قد يرد على الحرية الشخصية بوصفها حقا طبيعيا من حقوق الإنسان لا يجوز إجراؤه إلا فى‬
                               ‫حالة التلبس كما هو معرف قانونا‪ ،‬أو بإذن من السلطة المختصة‪ ،‬وكانت المادتان ‪ 35 ،34‬من قانون الإجراءات الجنائية المعدلتين بالقانون رقم‬
                               ‫‪ 37‬لسنة ‪ 1972‬قد أجازتا لمأمور الضبط القضائى فى أحوال التلبس بالجنايات أو الجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة تزيد على ثلاثة أشهر أن‬
                               ‫يقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه بالجريمة‪ ،‬فإن لم يكن حاضرا‪ ،‬جاز المأمور الضبط القضائى أن يصدر أمرا‬
                               ‫بضبطه وإحضاره‪ ،‬وكانت المادة ‪ 46‬من القانون ذاته‪ ،‬تجيز تفتيش المتهم فى الحالات التى يجوز فيها القبض عليه قانونا فإذا أجاز القانون‬

                                                ‫القبض على شخص جاز تفتيشه‪ ،‬وإن لم يجز القبض عليه‪ ،‬لم يجز تفتيشه وبطل ما أسفر عنه القبض والتفتيش الباطلين‬
                               ‫لما كانت الوقائع ‪ -‬على ما جاء بالحكم المطعون فيه ‪ -‬تتحصل فى أن ضابط الواقعة قام بضبط الطاعن الثانى وتفتيشه لمجرد كونه موجودا‬
                               ‫بسيارة الطاعن الأول دون قيام حالة من حالات التلبس بالجريمة كما هو معروف قانونا أو توافر حالة تجيز القبض عليه‪ ،‬وبالتالى تفتيشه كما‬
                               ‫هو الحال فى شأن الطاعن الأول لارتكابه جنحة معاقب عليها بالحبس مدة تزيد على ثلاثة أشهر فإن ضبطه وتفتيشه يكونا باطلين‪ ،‬ويبطل‬
                               ‫كذلك كل ما ترتب عليهما تطبيقا لقاعدة كل ما يترتب على الباطل فهو باطل‪ ،‬ويكون ما أسفر عنه ذلك القبض والتفتيش وشهادة من أجراهما‬
                               ‫قد وقعت باطلة لكونها مرتبة عليهما ولا يصح التعويل على الدليل المستمد منها فى الإدانة‪ .‬لما كان ذلك‪ ،‬وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون‬
                               ‫فيه والمفردات التى أمرت المحكمة بضمها أن الدليل الوحيد فى الدعوى هو ما أسفر عنه تفتيش السيارة ‪ -‬محل الجنحة المرورية ‪ -‬والتى لا‬
                               ‫صلة للطاعن الثانى بها وشهادة من أجراه ‪ -‬ضابط الواقعة ‪ -‬والتى ثبت بها أنه لم يعثر مع الطاعن الثانى حال تفتيشه على ثمة ممنوعات‬
                               ‫كما خلت الأوراق مما يفيد انبساط سلطانه على المخدر والميزان المضبوطين بالسيارة‪ ،‬وإذ جاءت الأوراق وعلى ما أفصحت عنه مدونات الحكم‬
                               ‫المطعون فيه على السياق المتقدم والمفردات المضمومة‪ ،‬خلوا من أى دليل يمكن التعويل عليه فى إدانة الطاعن الثاني‪ ،‬فإنه يتعين نقض الحكم‬
                               ‫المطعون فيه وبراءة الطاعن الثانى مما أسند إليه عملا بالفقرة الأولى من المادة ‪ 39‬من القانون رقم ‪ 57‬لسنة ‪ 1959‬بشأن حالات وإجراءات‬

                                                                                                                                 ‫الطعن أمام محكمة النقض(((‪.‬‬
                               ‫فيتضح من الحكم السابق أن محكمة النقض رفضت إعتبار مجرد توافر أدلة كافية على إرتكاب الجريمة دون توافر حالة من حالات التلبس‬
                               ‫سببا مشروعا لإجازة القبض و التفتيش مما يعنى اتخاذ المحكمة موقفا سلبيا بالإمتناع عن تطبيق نص الفقرة الثانية من المادة ‪ 35‬من قانون‬

                                                                                                    ‫الإجراءات الجنائية و المعدل بالقانون رقم ‪ 37‬لسنة لسنة ‪1979‬‬
                               ‫و أيضا من جملة أدوار محكمة النقض أنها مارست ذات النوع من الرقابة على نص المادة ‪ 49‬من قانون الإجراءات الجنائية التى تنص على «‬
                               ‫إذا قامت أثناء تفتيش منزل المتهم قرائن قوية ضد المتهم أو شخص موجود فيه على أنه يخفى معه شيئا يفيد فى كشف الحقيقة‪ ،‬جاز لمأمور‬
                               ‫الضبط القضائى أن يفتشه « و ذلك فى ضوء سعى المحكمة لحماية حقوق الانسان وفقا لنص المادة ‪ 58‬من الدستور فاصبح – وفقا لرأى‬
                               ‫الفقة – عدم جواز تفتيش المساكن إلا عند توافر إحدى الحالات الاتية ‪ :‬الأولى ‪ :‬وجود إذن من السلطة المختصة ( النيابة العامة ) ‪ ،‬التانية‬
                               ‫‪ :‬رضاء حائز المسكن أو تكون زوجتة وكيلا عنة فى حالة غياب الزوج و كذلك العشيقة لرد القصد السئ على صاحبة ‪ ،‬ثالثا ‪ :‬حالة الضرورة‬
                               ‫الإجرائية ‪ ،‬و نرى انة بالنسبة للحالة الثانية فقد أحسن المشرع صنعا عندما استعمل لفظ حائز المسكن و لم يستعمل لفظ صاحب المسكن لأنه‬
                               ‫ليس كل مالك حائز ‪ ،‬و ليس كل حائز مالك ‪ ،‬و كذلك فقد أحسن المشرع صنعا عندما أجاز للعشيقة القبول بتفتيش المسكن وذلك لرد قصد‬
                               ‫الشخص على عمله المشين و علية فقد عبرت محكمة النقض عن ذلك الاتجاة فى حكمها الصادر بألاتى ‪ :‬لما كان ذلك‪ ،‬وكان مفاد ما قضى‬
                               ‫به نص المادة ‪ 49‬من قانون الإجراءات الجنائية من تخويل مأمور الضبط القضائى الحق فى تفتيش الشخص إذا ما قامت ضده أثناء تفتيش‬
                               ‫منزل المتهم قرائن قوية على أنه يخفى معه شيئاً يفيد فى كشف الجريمة دون أن يصدر أمر قضائى ممن يملك سلطة إصداره أو أن تتوافر فى‬
                               ‫حقه حالة التلبس يخالف حكم المادة ‪ 54‬من الدستور التى تنص على أن‪« :‬الحرية الشخصية حق طبيعى وهى مصونة لا تمس‪ ،‬وفيما عدا حالة‬
                               ‫التلبس لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأى قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة‬
                               ‫أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضى المختص أو النيابة العامة وذلك وفقاً لأحكام القانون‪ ».‬فإن المادة ‪ 49‬من قانون الإجراءات الجنائية‬
                               ‫تعتبر منسوخة ضمناً بقوة الدستور نفسه منذ تاريخ العمل بأحكامه المنشورة فى الجريدة الرسمية بالعدد ‪ 36‬مكرر أ فى ‪ 1971/9/12‬دون‬
                               ‫تربص صدور قانون أدنى ولا يجوز الاستناد إليها فى إجراء القبض والتفتيش منذ ذلك التاريخ‪ ،‬وذلك إعمالاً للقواعد العامة فى ترتيب القوانين‬
                               ‫والتزام المحكمة بتطبيق التشريع صاحب السمو والصدارة ألا وهو الدستور‪ ،‬إذا كان نصه قابلاً للأعمال بذاته‪ ،‬وإهدار ما عداه من أحكام‬

                                                                                                    ‫متعارضة معه أو مخالفة له إذ تعتبر منسوخة بقوة الدستور(((‪.‬‬
                                                                                                                                                    ‫الخاتمة‬

                               ‫ختاما‪ ،‬تلعب السلطة القضائية ‪-‬بشتى أنواعها و درجاتها‪ -‬دورا جوهريا فى حماية حقوق الإنسان‪ ،‬حيث تمثل الحصن الأخير لضمان العدالة‬
                               ‫وسيادة القانون‪ .‬و ُيعد قانون الإجراءات الجنائية المصرى إطارًا تشريع ًيا رئيس ًيا يكفل تحقيق المحاكمة العادلة‪ ،‬بينما تتولى محكمة النقض‬
                               ‫المصرية مسؤولية الرقابة على صحيح تطبيق القانون من خلال رقابة الإمتناع او التعطيل ‪ ،‬والتى تتيح لها تصحيح الأخطاء القانونية الناشئة عن‬
                               ‫إمتناع المحاكم الأدنى عن تطبيق القواعد القانونية الواجبة و العكس كالامتناع عن تطبيق المواد التى تخالف نصوص الدستور و التى لم يصدر‬
                               ‫بها حكما بعدم الدستورية ‪ .‬كما ُتارس المحكمة الدستورية العليا دورًا أساس ًيا فى حماية الحقوق والحريات من خلال رقابتها على دستورية‬
                               ‫القوانين واللاوائح ‪ ،‬مما يساهم فى تحقيق التوازن بين سلطات الدولة وترسيخ مبادئ العدالة الدستورية‪ .‬لذا‪ ،‬فإن تعزيز إستقلال القضاء‪،‬‬
                               ‫وضمان تطبيق القوانين بما يتماشى مع المعايير الدولية‪ُ ،‬يعدان من الركائز الأساسية لحماية حقوق الإنسان وترسيخ مبادئ العدالة فى المجتمع‪.‬‬

                                                                                                    ‫((( راجع أ‪.‬د جميل عبد الباقى الصغير ‪-‬شرح قانون الإجراءات الجنائية الجزء الأول – ‪2023‬‬

                                               ‫((( محكمة النقض ‪ -‬جنائى ‪ -‬الدائرة الجنائية ‪ -‬الطعن رقم ‪ 440‬لسنة ‪ 93‬ق | تاريخ الجلسة ‪ [ - 2024 / 2 / 20‬نقض الحكم وفى الموضوع بالبراءة ]‬

                                 ‫((( محكمة النقض ‪ -‬جنائى ‪ -‬الطعن رقم ‪ 20054‬لسنة ‪ 74‬ق | تاريخ الجلسة ‪ - 2006 / 5 / 7‬مكتب فنى ‪ - 57‬رقم الصفحة ‪ - 603‬القاعدة رقم ‪ [ - 64‬نقض الحكم‬
                                                                                                                                                                                      ‫والإعادة ]‬

                   ‫‪87‬‬
   82   83   84   85   86   87   88   89   90