Page 86 - ثقافة قانونية العدد السادس- للنشر الالكتروني
P. 86

‫االلقماننتودنيي‬

‫أعلى إزاء ما نصت عليه الفقرة الأولى من المادة ‪ 192‬من الدستور القائم بقولها «تتولى المحكمة الدستورية العليا دون غيرها الرقابة القضائية على‬                                             ‫ثــقافة قــــانونية‬
‫دستورية القوانين واللوائح وتتولى تفسير النصوص التشريعية وذلك كله على الوجه المبين فى القانون»‪ .‬ولا جدال أنه على ضوء النص الدستورى‬
‫سالف البيان فإن اختصاص المحكمة الدستورية العليا المنفرد بالحكم بعدم دستورية النص التشريعى المطعون فيه أو إلى دستوريته لا يشاركها‬                                                      ‫‪86‬‬
‫فيه سواها‪ ،‬وحجية الحكم فى هذه الحالة مطلقة تسرى فى مواجهة الكافة‪ .‬على أنه فى ذات الوقت للقضاء العادى التأكد من شرعية أو قانونية‬
‫التشريع الأدنى بالتثبت من عدم مخالفته للتشريع الأعلى‪ ،‬فإن ثبت له هذه المخالفة اقتصر دوره على مجرد الامتناع عن تطبيق التشريع الأدنى‬
‫المخالف للتشريع الأعلى دون أن يملك إلغاءه أو القضاء بعدم دستوريته ‪ ،‬وحجية الحكم فى هذه الحالة نسبية قاصرة على أطراف النزاع دون‬
‫غيرهم‪ ،‬ويستند هذا الاتجاه إلى أن القضاء ملزم بتطبيق أحكام الدستور وأحكام القانون على حد سواء‪ ،‬غير أنه حين يستحيل تطبيقهما معا‬
‫لتعارض أحكامهما‪ ،‬فلا مناص من تطبيق أحكام الدستور دون أحكام القانون إعمالا لقاعدة تدرج التشريع وما يحتمه منطقها من سيادة التشريع‬
‫الأعلى على التشريع الأدنى كما يؤيد هذا النظر ما جرى عليه قضاء المحكمة الدستورية العليا بأنه لا شأن للرقابة الدستورية بالتناقض بين قاعدتين‬
‫قانونيتين من مرتبة واحدة أو مرتبتين مختلفتين‪ ،‬كما لا يمتد اختصاص المحكمة لحالات التعارض بين اللوائح والقوانين ولا بين التشريعات ذات‬
‫المرتبة الواحدة‪ ،‬وإن هذا القول مجرد امتداد لما انعقد عليه الإجماع من حق المحاكم فى رقابة قانونية اللوائح أو شرعيتها وما جرى عليه قضاء‬
‫محكمة النقض من الامتناع عن تطبيق اللائحة المخالفة للقانون بينما يختص القضاء الإدارى بإلغاء هذه اللائحة‪ ،‬ومن غير المقبول أن يقرر هذا‬
‫الحق للقضاء العادى بينما يمنع من رقابة مدى اتفاق القوانين مع قواعد الدستور وعدم مخالفتها له‪ ،‬فهذان النوعان من الرقابة القضائية ليسا‬
‫إلا نتيجتين متلازمتين لقاعدة تدرج التشريع‪ ،‬وليس من المنطق – بل يكون من المتناقض – التسليم بإحدى النتيجتين دون الأخرى‪ ،‬فما ينسحب‬
‫على التشريع وخلاصة ما سلف إيراده أنه فى الأحوال التى يرى فيها القضاء العادى أن القانون قد نسخه الدستور بنص صريح‪ ،‬لا يعتبر حكمه‬
‫فاصلا فى مسألة دستورية‪ ،‬ولا يحوز هذا الحكم بذلك سوى حجية نسبية فى مواجهة الخصوم دون الكافة‪ .‬لما كان ما تقدم‪ ،‬وكان قضاء محكمة‬
‫النقض قد جرى أيضا على أن الشرعية الإجرائية سواء ما اتصل منها بحيدة المحقق أو بكفالة الحرية الشخصية والكرامة البشرية للمتهم ومراعاة‬
‫حقوق الدفاع‪ ،‬أو ما اتصل بوجوب التزام الحكم بالإدانة بمبدأ مشروعية الدليل وعدم مناهضته لأصل دستورى مقرر‪ ،‬جميعها ثوابت قانونية‬
‫أعلاها الدستور والقانون وحرص على حمايتها القضاء ليس فقط لمصلحة خاصة بالمتهم وإنما بحسبانها فى المقام الأول تستهدف مصلحة عامة‬

                            ‫ولقد تواترت أحكام المحكمة الدستورية العليا على القضاء بعدم دستورية القوانين التى تخالف هذا المبدأ (((‬
‫و تطبيقا لتلك المبادئ على سبيل المثال لا الحصر فقد قضت المحكمة الدستورية العليا فى حكمها الصادر رقم ‪ 5‬لسنة ‪ 4‬ق بتاريخ ‪1984‬‬
‫بعدم دستوريه نص المادة ‪ 47‬من قانون الإجراءات الجنائية التى كانت تنص على ‪ « :‬لمأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بجناية أو جنحة‬
‫أن يفتش منزل المتهم‪ ،‬ويضبط فيه الأشياء والأوراق التى تفيد فى كشف الحقيقة إذا اتضح له من أمارات قوية أنها موجودة فيه « ووفقا لتلك‬
‫المادة التى كانت تمثل اعتداءا صارخا على الحق فى حرمة المسكن وفقا لنص المادة ‪ 58‬من الدستور الحالى و المادة ‪ 44‬من الدستور الدائم‬
‫لجمهورية مصر العربية ‪ 1971‬و التى تحمى الحق فى حرمة المساكن ‪ ،‬و بناءا على المادة المقضى بعدم دستوريتها التى كانت تضرب بمواد‬
‫الدستور عرض الحائط مما لا يستقيم و مبادئ التدرج الهرمى للتشريع فقد احسنت المحكمة الدستورية العليا صنعا فى القضاء بعم دستورية‬
‫تلك المادة فوفقا لرأى الفقة لا يجوز تفتيش المساكن فى حاله التلبس إلا بناءا على توافر إحدى الحالتين بحسب الأصل هما ‪ :‬أولا ‪ :‬رضاء‬
‫صاحب المسكن و تكون الزوجة ‪-‬فى حالة غياب الزوج‪ -‬وكيلة عنة فى القبول ‪ .‬ثانيا ‪ :‬وجود إذن صادر من السلطة المختصة بتفتيش المسكن‬

                                                                              ‫مع التقييد بمبدأ عينية الإذن و تقييده بالغرض منة ‪.‬‬
‫و لقد إبتدع الفقة و القضاء الجنائى – تماشيا مع مقتضيات الواقع – ما يعرف بإسم الضرورة الإجرائية ‪ :‬التى تسمع بامتداد اختصاص‬
‫مأمور الضبط القضائى فى حالة التلبس بالجريمة يتتبع الجانى اذا دخل الى مسكنة بدخول المـأمور الى المسكن لإحضار الجانى و تفتيشة و‬
‫لكن هذا المبدأ مقيد بقاعدة « أن كل تفتيش للمسكن بتطلب دخولة و ليس كل دخول للمسكن بتطلب تفتيشة و العبرة فى مشروعية الأفعال‬
‫تكون بالمقدمة لا بالنتيجة فإذا كانت المقدمة صحيحة كان الفعل صحيحا و القول بعكس ذبك سيؤدى الى الخذ برأى الفيلسوف ( ميكافيلى )‬

                                                ‫الذى يقول بأن الغاية تبرر الوسيلة و هو مبدأ ينحرف بضمانات الحقوق و الحريات(((‬
                                                                          ‫ثالثا ‪ :‬دور محكمة النقض فى حماية الحقوق و الحريات‬

‫سبق أن أشرنا الى السلطة المنفردة للمحكمة الدستورية العليا فى الرقابة الاحقة على دستورية القوانين فقد ورد بالمذكرة الاضاحية بذات‬
‫القانون بندا يخول للجهات القضائية الأخرى حقا لممارسة نوع من رقابة التعطيل او الإمتناع عن تطبيق نصوص القوانين التى تتعارض مع‬
‫مبادئ حقوق الانسان فقد نصت المذكة الايضاحية فى البند الثامن منها على « كما أن هذا الاختصاص لا يصادر حق جهات القضاء الأخرى‬
‫جميعا فى تفسير القوانين وإنزال تفسيرها على الواقعة المعروضة عليها ما دام لم يصدر بشأن النص المطروح أمامها تفسير ملزم سواء من‬

                                                                               ‫السلطة التشريعية أو من المحكمة الدستورية العليا «‬
‫و اعملا لذلك النص الجوهرى فقد حملت محكمة النقض المصرية مشعل المسؤولية فى ضمان تحقيق مبادئ حقوق الانسان منذ مرحلة‬

                                         ‫جمع الاستدلالات بمعرفة مأمور الضبط القضائى الى مرجلة تنفيذ الاحكام و إشكالات تنفيذه‬
‫و بناءا علية نجد أن محكمة النقض قد إمتنعت عن تطبيق مضمون نص الفقرة الثانية من نص المادة ‪ 35‬إجراءات جنائية المعدلة بالقانون‬
‫رقم ‪ 37‬لسنة ‪ 1972‬و التى تنص على « فى غير الأحوال المبينة فى المادة السابقة إذا وجدت دلائل كافية على اتهام شخص بارتكاب جناية أو‬
‫جنحة سرقة أو نصب أو تع ٍد شديد ومقاومة لرجال السلطة العامة بالقوة والعنف‪ ،‬جاز لمأمور الضبط القضائى أن يتخذ الإجراءات التحفظية‬

                                                             ‫المناسبة‪ ،‬وأن يطلب فوراً من النيابة العامة أن تصدر أمراً بالقبض عليه «‬
‫و تلك المادة التى تخول مأمور الضبط القضائى الحق فى التحفظ على المتهم بمجرد الاشتباة بوجود أدلة كافية على ارتكابة للجريمة مما‬
‫يتعارض جوهريا و شكليا مع نص المادة ‪ 54‬من الدستور التى تنص على ألا يكون القبض على المتهم او تفتيشة أو تعطيل حقة فى الحرية‬
‫الشخصية إلا بموجب توافر أحد الحالات الاتية ‪ :‬ألاولى ‪ :‬توافر حالة من حالات التلبس وفقا لنص المادة ‪ 30‬من قانون الإجراءات الجنائية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬رضاء المتهم بالقبض و التفتيش ‪ .‬ثالثا ‪ :‬وجود حكم قضائى واجب النفاذ ‪ .‬رابعا ‪ :‬الإذن بالقبض و التفتيش الصادر عن السلطة المختصة‬

        ‫((	( محكمة النقض ‪ -‬جنائى ‪ -‬الطعن رقم ‪ 17251‬لسنة ‪ 66‬ق | تاريخ الجلسة ‪ [ - 2009 / 4 / 4‬نقض الحكم‬

                                                                                                 ‫والتصدى للموضوع ]‬
                     ‫((	( راجع أ‪.‬د جميل عبد الباقى الصغير ‪-‬شرح قانون الإجراءات الجنائية الجزء الأول – ‪2023‬‬

                                                                                                                                                                          ‫أبريل ‪2025‬‬
   81   82   83   84   85   86   87   88   89   90