Page 18 - تنوير 4-8
P. 18
لجنة الفلسفة وعلم الإجتماع والأنثروبولوجيا -المجلس الأعلى للثقافة
وعلـى النحـو نفسـه يتـم الترويـج للقيـم والأفـكار ،عـن تطلبهـا .والحـق أن هـذا الافتـ ارء لا معنـى لـه؛ فليـس فـي
طريـق تضخيـم أحـداث ضئيلـة الشـأن ،والتهميـش والتعتيـم الديـن الإسـامي مـا يمنـع مـن تطبيـق الديمق ارطيـة التـي
على الأحداث الكبيرة .ومن ناحية أخرى ،نجد هذا الإعلام تعتمـد علـى الحريـة ،والعدالـة ،والمسـاواة ،وغيرهـا مـن القيـم
الغربـى نفسـه يغـض الطـرف عـن ممارسـات إسـ ارئيل التـى الأخلاقيـة التـي تدعـو إليهـا ص ارحـ ًة آيـات القـرآن الكريـم،
دأبـت علـى انتهـاك القانـون الدولـي ،ويتغاضـى عمـا تقـوم فضـا عـن أن الإسـام يدعـو المسـلمين إلـى التشـاور،
بـه إسـ ارئيل مـن ضـرب القـ ار ارت والمواثيـق الدوليـة بعـرض وإلـى الحـوار والنقـاش ،واتخـاذ القـ ار ارت بعـد رويـة ،كمـا أنـه
يجعـل المسـئولية فرديـة تقـع علـى عاتـق الفـرد وحـده. الحائـط.
أمـا «جـون سـتيوارت مـل» فيلسـوف الحريـة فقـد أرى أن -4الديمق ارطية والمجتمعات المتخلفة:
الاسـتبداد هـو الوسـيلة المشـروعة لحكـم الشـعوب المتخلفـة تثـار مشـكلات كثيـرة حـول الديمق ارطيـة؛ يلخصهـا هـذا
التـي مـا ازلـت فـي طـور البدايـة ،فالحريـة لا مـكان لهـا فـي السـؤال:
أمـم لا تـدرك أهميـة الحواروحريـة المناقشـة ،قاصـرة عـن
إد ارك المعنـى الحقيقـي للحريـة .وكانـت تلـك هـى حجـة هـل يجـوز تطبيـق الديمق ارطيـة فـي جميـع المجتمعـات
الاسـتعمار فـي السـيطرة علـى الشـعوب الأخـرى وحكمهـا؛ بــا تفرقــة ،أم أنهــا شــكل خــاص مــن أشــكال الأنظمــة
وهـذا مـا أسـماه «مـل» «رسـالة الرجـل الأبيـض» فـي نشـر
السياســية تحتـاج إلـى مجتمــع «معيــن»؟
الحضـارة .وأنكـر أي ًضـا علـى تلـك الأمـم حقهـا فـي الحكـم رفـض بعـض الفلاسـفة التطبيـق «العـام» للديمق ارطيـة،
الديمق ارطـي؛ إذ أرى ضـرورة خضوعهـا لاسـتبداد الحاكـم
الـذي يقـوم بالوصايـة عليهـا وينشـد مصلحتهـا ،كمـا أنكـر وجعلوهـا «وقًفـا» علـى مجتمعـات دون غيرهـا ،فيذهـب
مثـل هـذه الحريـة علـى الأطفـال والقصـر حتـى يبلغـوا سـن «مونتسكيو» إلى القول بأن الحكومة الديمق ارطية المعتدلة
الرشـد الـذي يخولهـم الاسـتقلال بأنفسـهم)(. هى أصلح ما يكون للعاَلم المسيحي ،أما الحكومة المستبدة
فهـى أصلـح مـا يكـون للعاَلـم الإسـامي)(.
-5تحديد المفاهيم: وهـو قـول يكـِّرر -بصـورة باهتـة -التعصـب الأرسـطي
القديم ،مع فارق واحد هو أن تعصب أرسطو كان «عرقًّيا»
وقبـل الاسـتط ارد فـي حديثنـا عـن الأبعـاد الأخلاقيـة يعتمـد علـى التفرقـة بيـن الأجنـاس ،ويجعـل الجنـس اليوناني
للديمق ارطيـة؛ لا بـد أولا مـن تحديـد المفاهيـم حتـى نتجنـب أرقـى الشـعوب وأصلـح للحكـم الديمق ارطـي ،فـي حيـن أن
الهمـج أو الب اربـرة – ومنهـم شـعوب الشـرق القديـم – لا
الخلـط بينهـا ،علينـا أن نفـرق ونميـز بيـن: يصلـح لهـم سـوى حكـم الاسـتبداد والطغيـان؛ لأنهـم خلقـوا
عبيـًدا بطبيعتهـم ،ولا يسـتطيعون الاسـتمتاع بالحريـة ،بـل
مفهـوم «الدولـة» ،ومفهـوم «الحكومـة» ،ومفهـوم ت ارهم يسعون في شوق إلى العبودية ،ثم جاء «مونتسكيو»
« ا لنظ ـا م » : ليجعـل التعصـب هـذه المـرة دينًّيـا ،ويعمـد إلـى التفرقـة بيـن
الشـعوب على أسـاس الدين ،فالشـعوب المسـيحية هى التي
الدولة :هى أرض وشعب ،إن الدولة هى كيان معنوي تصلح للديمق ارطية ،أما الشـعوب الإسـامية فهى بطبيعتها
موجـود ومسـتقل ،وهـى شـعب يعيـش علـى مسـاحة معينـة لا تطيـق الحكـم الديمق ارطـي؛ لأنهـا لا تعـرف الحريـة ولا
مـن الأرض ،ويخضعـون لنظـام سياسـي معيـن يتولـى
إدارة شـئون الدولـة ،وتشـرف الدولـة علـى أنشـطة سياسـية
واقتصاديـة واجتماعيـة تهـدف إلـى تقدمهـا وازدهارهـا
وتحسـين مسـتوى حيـاة الأفـ ارد فيهـا.
18

