Page 245 - merit mag 36- dec 2021
P. 245
243 الملف الثقـافي
عظامه ،وكسر الخاطر عني منذ الوهلة الأولى والأحوال والسجايا ،من
مهين باستحالة إحياء ما التي لقيته فيها بالقاهرة، بينهم أساطين في مجالات
لا يحيا ،وقد كلفني هذا بالغة التأثير ،ومن بينهم
الطبع كلفة عالية ،جعلتني كنت قاد ًما من بلادي أناس لا ينتبه لهم أحد إلا
أندم ،في أيام كثيرة ،على الصعيدية الجنوبية ،في أمثاله لحفاوته بالبشر ولو
عدم الذوبان في أشخاص أوائل التسعينيات من القرن فقدوا مزاياهم الاجتماعية ،أنا
حقيقيين مخلصين ،كان الفائت ،وقابلته مع جماعة أنتهز فرصة الكتابة الصافية
من المبدعين المنتمين إلى عنه وأقول مثل ما أقوله الآن؛
مفي ًدا أن أذوب فيهم، جغرافيا منوعة في الوطن، لأنني أصادف بش ًرا يضيفون
وأسمح لهم بالذوبان كان الأكثر دفئًا بين الذين إلى قائمته العامرة أسماء أو
ف َّي ،في الصف الأول من تعود جذورهم إلى الشمال، يحذفون منها أسماء ،وهو
هؤلاء داود البديع ،داود في الواقع لم أشعر سوى بعيد وساكت ،لا يقترب ولا
الذي يسأل المترجمين بمصريته ،وكانت بيئات يكلف نفسه عناء الرد على
أحيا ًنا :هل للعشم مرادف الآخرين صارخة فيهم ،كما بؤساء الظنون المتدخلين في
في اللغات الأخرى؟! داود أن وده غير المفتعل وخفة
ذو القمصان الزاهية التي ظله وقفشاته الذكية ،قربت صلب حياته.
يطيرها الهواء كيمامات المسافات بيننا أكثر ،ومع إذا كانت سمعة المنوفية ،على
الوقت اكتشفت ما جعله
بيض كأنها أمارات عندي في المقدمة ،وأخر من المستوى الشعبي ،ليست
السلام ،وليس كما يطير كانوا في المقدمة قبله؛ فقد بالسمعة الإيجابية بين
قمصان الطغمة الباقية!! تبينت ،من خلاله ،أن من
وقف معي إبراهيم وقفة لا يتكلم كثي ًرا هو غالبًا أقاليمنا الوطنية ،وهذا كلام
نبيلة مشكورة لا أنساها، من يفعل ،وأن الذي يصبر فارغ طب ًعا ،نشره مغرضون
لعله هو نسيها لكثرة ما على العداوات هو من يفوز، ومرجفون وسذج ،وتسببت
وأن الجرأة والحسم غالبًا فيه ظروف تاريخية ،كان من
يقف مع أصدقائه ،ولا ما يكونان أجدى نف ًعا من
يتركهم في المحن ،وقف الجبن عن تنفيذ القرار المفروض ألا نؤمن بثباتها
قدر ما استطاع بطهر والتراخي في أداء المهمة. ولكن بتحولها ،فهو على
وبساطة ،وحينها أمعن
في الفضل فأشعرني أنني لم أدخل عوالمه بقوة، كل حال واحد ممن منحوا
أنا من أقف معه لا هو من وحافظت على مسافة بيننا، محافظتهم سمعة طيبة؛ لأنه
يقف معي ،لم أهاتفه يو ًما لا أقول وضعت حاج ًزا ،غير طيب الأعماق وبالغ الكرم،
باكيًا ولا شاكيًا ،وهذا دأبي والرجل يدل على أخلاق بلده
معه ومع سواه ،إنما كان أن هذا شأني مع الجميع
يراني ،حين يراني ،وأنا لا إبراهيم وحده؛ فمنذ بالطبع.
قانع راض ،غير أنه كان أسعدني الحظ بالدنو من
يشعر بحاجاتي شعو ًرا صدمني اقتراب شديد من إبراهيم ،ونحن ننتمي إلى
أكي ًدا بلا تلميح ،أما سواه بعض الأصدقاء ،في رحلة جيل واحد بالأساس ،ففارق
فبينما كانوا يكلمونني في الحياة البكر ،صرت حري ًصا السن بيننا ضيق ،لا يجاوز
هذه الحاجات طوي ًل كانوا ثماني سنوات ،أي في مجال
لا يشعرون بها البتة ،كمثل على الاقتراب المحسوب العشرة التي اعتيد أن يحدد
كلام يقتلون بواسطته الذي لا يذوب فيه المرء في بها الجيل الأدبي الواحد ،وإن
لم يستقر المحددون على مدة
أخلائه؛ فالذوبان يحيي واحدة ،وما وجدت نفسي
العشم الذي مات وبليت بحياله حيال شخص غريب