Page 269 - merit mag 36- dec 2021
P. 269
267 ثقافات وفنون
كتب
وغير مباشرة تجعلك تفكر فيما يستكمل مصطفى أو حامد أو تحدي ًدا -حينما يدخل حامد عطية
تنطق به ،وينتصر لعودة وجه حسن من خلال الأحداث عبر مبروك بصخبه محد ًثا زوبعة من
مصر من جديد الذي استخدم الاسترجاعات الزمنية علاقات اللغط والكلام والفوضى؛ ما أثار
فيه رمزية بائعة الجبن الفلاحي عديدة بالنساء وأحوال الحياة
-توحة -الفلاحة الأصيلة القوية غضب كرم واستهجانه .ويظن
التي تربي أبناءها وتبتسم دائ ًما والعمل والنقود والمكسب أنه بركوبه الطائرة سيتخلص منه
للحياة وتجددها بأخرى كما سبق والخسارة .ويناقش أمور الدين
والدنيا والحرية الشخصية ،وهي وسينتهي الأمر ،إلا أن الأحداث
وأشرت. أقنعة يناقش من خلالها داود العالم والعلاقة تزداد مساحتها ومساحة
وثوابته ولا يحاكم أح ًدا ولا يدعنا
السرد نحن أي ًضا نحاكم أح ًدا ،لأننا جمي ًعا السرد بالطبع ،فنرى النار والماء
بداخلنا جزء من مصطفى أو حامد متجاورين ،الأسود والأبيض،
يلجا عبد الوهاب داود إلى طرق لديه أخطاء ولديه توق إلى المغامرة
في السرد ينتقيها حسب الموقف والحرية والشغف بالحياة .المهم أنه الفوضى والنظام ،وكأننا نسمع
والجدلية التي يضع القارئ فيها، لا يؤذي أح ًدا غير ذاته .ثم يثبت توليفة من موسيقى الأفراح
فهو يعتمد على الوصف الخارجي داود رؤيته بالانتصار للحياة ،وأن
الذي يحدد القسمات ولون البشرة الخطأ إنساني تما ًما ،وأننا أبناء الشعبية إلى جوار كارمينا بورانا
وطريقة الحركة ،والملابس وطريقة الحياة مهما اختلفت أشكالها ،وأنها مث ًل.
التدخين ..وغيرها .وحينما يتجه
تستحق أن تعاش. يبدأ حامد أو حسن أو مصطفى في
إلى داخل الشخصية يستبطن هناك ارتباط دائم بين الرواية الحكي عن حياته منذ ولادته وحتى
المناحي النفسية وعوالمها المختلفة والذاكرة والتاريخ والقارىء
في منولوج ذاتي يصور صراعها باعتباره إما شارك في الأحداث محبته لجارته المسيحية وولعه
الداخلي أو مناجاتها أو اعترافها كمحارب قديم أو متابع لها أو باسم مصطفى ،بعد أن رأها تغني
بأخطائها ،كأنه نوع من التطهر. يعرفها بشكل قد درسه في مناهجه وترقص بين زملاتها على موسيقى
يلجا أكثر إلى الحوار ليكون بطل التعليمية .والتاريخ هنا هو مهنة أغنية يا مصطفى يا مصطفى أنا
السرد الذي يتلازم مع الوصف كرم ،فكان الظل السياسي في
وربما يفوقه .ولم لا وهو من أبرز الخلفية مصاحبًا لللأحداث ،ليس بحبك يا مصطفى ،لكي يصدق
ملامح الرواية الأليجورية ،لأنه بالتتابع الزمني المتعارف عليه وإنما وهمه بأنها تغني له هو فقط .ثم
القالب الذي يجعلنا كقراء نتعرف من خلال التفاصيل التي تلح على يحكي قصة صفعه لها على وجهها
على المواجهات الفكرية والمجادلات ذاكرة حامد مبروك عطية ،فينطق
بها لسانه .تأتي بشكل رمزي وهروبه بعد ذلك إلى السويس
الفلسفية التي تناقشها الرواية. دلالي .فهناك تأميم القناه وتولي ولقائه للسيدة الانجليزية الذي
أما الأسماء فتدل على الشخصية محمد نجيب وحرب 56وحرب 73 أحبها وأحبته ولم يتزوجها ،فقط
وتشير إليها كصفة وموصوف، حتى عصر مبارك وظهور الإرهاب لأنه لم يتمسك بهذا الأمر بقوة ولم
فهناك حنان زوجة كرم ،ومصطفى وضرباته في التسعينيات وظهور يتشبث به ،وهو ما كانت تريده أن
الذي يحب الحياة كأغنية راقصة، التيارات الإسلامية في الشارع
المصري وعلاماته الملبسية الدالة يفعله.
وتوحة الاسم المصري ج ًّدا وعاداته التي أزاحت جز ًءا من لم ينته أمر حامد مع كرم على
والمتعارف عليه المكنَّى لفتحية عاداتنا المصرية وهويتنا .يناقش الطائرة بل امتد كما هو بنفس
كل ذلك -وأكثر -بطريقة متخيلة صخب الشخصية في أي مكان
وغيرها من أسماء. يتواجد فيه ،عزفه على السمسمية
رغم ظهور الراوي العليم في أو حضوره وسط من يستمعون
الرواية إلا أن الراوي احترم حدود إلى عازفة الكمان وغيرها من
منعطفات الرواية .فنجد النقيضين
صارا صديقين ،ونرى كرم يبحث
عنه لأنه يشبهه في أمور كثيرة
منها حبه للحياة والبساطة والنساء
أي ًضا.