Page 81 - Jj
P. 81

‫‪79‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫قصــة‬

                                                      ‫حاتم رضوان‬

                                                          ‫قناع‬

     ‫الأشياء‪ ،‬لا أول أو آخر‪ ،‬نقطة وحيدة أبدية بلا‬     ‫تا َق لامرأة تروضه‪ ،‬وتاق ْت لرجل يروضها‪ ،‬تجاورا‬
   ‫بداية أو نهاية‪ ،‬تسقط المحظورات‪ ،‬يختلط الحلال‬         ‫في مقعدي الطائرة‪ ،‬تقابلا‪ ،‬لم يطفئ النار المشتعلة‬
 ‫بالحرام‪ ،‬يتداخل العلوي بالسفلي‪ ،‬الداخل بالخارج‪،‬‬                               ‫بينهما غير برد الفراش‪.‬‬
 ‫الروحي بالمادي‪ ،‬تلتبس الكلمات والأفكار‪ ،‬تتمازج‬
                                                                      ‫***‬
     ‫ألوان اللوحة بلا انتظام‪ ،‬تشكل منظ ًرا سرياليًّا‬
  ‫أعظم من لوحات بيكاسو‪ ،‬تذك ُر آخر لقاء‪ ،‬سنوات‬         ‫رغم مرور كل هذه السنين ما زال خجو ًل‪ ،‬تجاور‬
                                                          ‫مقعديهما بالطائرة‪ ،‬ابتسم كل للآخر‪ ،‬أجمل من‬
    ‫طويلة عبرت بك‪ ،‬نسيت فيها ما دار بينكما من‬             ‫رأى‪ ،‬من طشقند؟!! أراد التواصل معها‪ ،‬أي لغة‬
‫حوار‪ ،‬من ترك من؟ الأحداث مرت سري ًعا‪ ،‬جرفتكما‬              ‫يتشاركان؟ تبادلا النظرات‪ ،‬وعلى سلم الطائرة‬
                                                                 ‫ابتسم كل للآخر‪ ،‬وتشابكت أصابعهما‪.‬‬
       ‫في طريقها‪ ،‬وها أنت تعود من موتك كل يوم‬
   ‫لترتدي قناع الحياة‪ ،‬ترسم ابتسامة صورية على‬                         ‫***‬
  ‫وجهك الحزين‪ ،‬تتخفى خلفها‪ ،‬تتنكر حتى لا يرى‬
  ‫أحد ما بداخلك‪ ،‬تمشي وحي ًدا على طوار ممتد بلا‬             ‫من شباك الطائرة كان الجبل يعلو وينخفض‪،‬‬
  ‫نهاية بحذاء بحر لا تهدأ أمواجه‪ ،‬تفتش في وجوه‬            ‫نهدين ناهضين لامرأة أفريقية يتكسر البحر في‬

      ‫الحسناوات‪ ،‬تبحث عن فتاة افتقدتها من زمن‬              ‫البعيد تحت ساقيها المنفرجتين‪ ،‬يتوق أن يلثم‬
  ‫بعيد‪ ،‬هكذا لا تعلم كيف تسربت السنون من بين‬             ‫شفتيها الغليظتين‪ ،‬ودون يأس تتكرر محاولاته‪.‬‬
   ‫أصابعك‪ ،‬لا تشعر قدماك المتعبتان بوخز الشوك‬
   ‫المنثور في متاهة البحث عنها‪ ،‬لا ترى غير الدماء‬                     ‫***‬
   ‫المتساقطة من قدميك‪ ،‬تترك رائحتك في كل مكان‬
 ‫تعبر به‪ ،‬آم ًل أن تتعر َف منها عليك‪ ،‬تتبعها وتعود‬      ‫في سوهو سكوير حيث المقهى المفتوح على السماء‬
                                                      ‫تتصاعد أدخنة الشيشة سحابات في الهواء‪ ،‬أجساد‬
                                           ‫إليك‪.‬‬      ‫نساء متأودات‪ ،‬يرقصن على رنات الكؤوس‪ ،‬تنساب‬
                    ‫***‬                               ‫موسيقى العرض‪ ،‬وتغير إضاءات المسرح المكشوف‬
 ‫انشطر الزمان زمانين‪ ،‬والمكان مكانين‪ ،‬يوم التقينا‬      ‫ألوانها‪ ،‬وفي الخلف تتشكل مياه النافورة الراقصة‪،‬‬
    ‫فوق الجسر‪ ،‬كل يمضي في اتجاه‪ ،‬التقت عيون‬
‫تجمدت بلا مشاعر‪ ،‬ومضة عابرة‪ ،‬لمح بصر‪ ،‬أشاح‬                    ‫تتباعد وتتقاطع‪ ،‬تعلو وتهبط مع الموسيقى‬
    ‫كل منا برأسه‪ ،‬ومضينا دون أن نلتفت‪ ،.‬تتذك ُر‬        ‫والأضواء‪ ،‬والفتاة الصينية تواصل عرض العجلة‪،‬‬
‫قلبك البريء الخام‪ ،‬والمسافة الشاسعة بينكما تتسع‬         ‫وفى المائدة التي أمامي جلست امرأة شقراء تقاوم‬
 ‫كل يوم‪ ،‬وقلبك المفطور ما زال بك ًرا‪ ،‬تحب بالنهار‪،‬‬
  ‫وتبكي عند الليل‪ ،‬تبحث عن حياة افتقدتها‪ ،‬وأيام‬             ‫بالمساحيق زحف التجاعيد على وجهها‪ ،‬لكنها‬
   ‫فارقتك‪ ،‬تستعيد براءتها وتستحلب طعم الأشياء‬             ‫ما زالت تملك جس ًدا متفج ًرا لفتاة في العشرين‪،‬‬
                      ‫عندما تتذوقها للمرة الأولى‪.‬‬
                                                            ‫يحتضنها شاب أسمر‪ ،‬يلوك فمها أمام فلاش‬
                                                                                             ‫الكاميرا‪.‬‬

                                                                      ‫***‬

                                                             ‫على عتبات الحلم يتحطم المستحيل‪ ،‬وتتوحد‬
   76   77   78   79   80   81   82   83   84   85   86