Page 270 - merit 36- dec 2021
P. 270

‫العـدد ‪36‬‬                           ‫‪268‬‬

                                    ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

  ‫كوزموبوليتان‪ ،‬والمقاهي كالحرية‬     ‫كرم بدقته وتفكيره وأدائه المميز‪،‬‬         ‫الشخصية وثقافتها‪ ،‬فجعل ما‬
 ‫في وسط البلد والأمفتريون بمصر‬      ‫وكتابة الهوامش كمذكرات بخطها‬            ‫يعلمه مساو ًيا لمعرفتها‪ ،‬وألبسها‬
                                     ‫الصغير الذي يتوازى كأنها نوتة‬           ‫ملابسها وأنطقها بلسانها‪ ،‬كما‬
    ‫الجديدة‪ ،‬والمعتقلات‪ .‬نجح عبد‬
     ‫الوهاب داود في جذب المتلقين‬       ‫صغيرة ليوميات خفية‪ .‬وحنان‬               ‫أنه حافظ على وجهات النظر‬
    ‫إلى عالمه بذكره لأماكن معروفة‬   ‫التي لم يأخذنا إلى عوالمها الداخلية‬   ‫المتعددة دون أن ينتصر لشخصية‬
  ‫لنا وكأنه يقول أنتم جزء من هذا‬     ‫في الأزمة‪ ،‬لكن وجودها كان دا ًّل‬
     ‫العالم‪ .‬مما خلق حميمية بيننا‬                                              ‫على الأخرى‪ ،‬وانتصر بنظرة‬
 ‫وبين عوالم الرواية‪ ،‬حتى أننا كدنا‬     ‫وغير منتقص في هذا النوع من‬           ‫استشرافية لعودة مصر المليحة‪.‬‬
‫نسمع صوت مصطفى وهو يحكي‪،‬‬             ‫الروايات‪ .‬حتى عندما انتصر لها‬
   ‫وصخب ازدحام الميدان بالبشر‪،‬‬       ‫في النهاية كانت هي المحرك لأنها‬               ‫الزمن في الرواية‬
  ‫وصخب المحطات وهدوء البارات‬
‫وإضاءتها الخفيفة‪ .‬واختلاف المكان‬                ‫انحازت مثله للحياة‪.‬‬      ‫هناك زمن الأحداث بالرواية يتمثل‬
     ‫بجغرافيته في الخليج بمولاته‬                                         ‫في الفترة من خروج كرم من منزله‬
                                                       ‫المكان‬            ‫حتى عودته إليه مرة أخرى‪ .‬وهناك‬
               ‫وصخبه المختلف‪.‬‬
                                       ‫للمكان أهمية كبيرة في الرواية‬          ‫زمن أحداث ثابتة أو متعارف‬
                   ‫خاتمة‬                 ‫بشكل عام‪ ،‬فهو ليس مسرح‬             ‫عليها تاريخيًّا تأتي بشكل دلالي‬
                                     ‫الأحداث الذي يصوره لنا الراوي‬       ‫يحيل القارئ إلى حقبة بعينها تدلنا‬
‫قدم عبد الوهاب داود متاهة الحياة‬         ‫بشكل هندسي‪ ،‬وتتحرك فيه‬
  ‫للشخص العاشق للنساء وللحياة‬         ‫الشخصيات فحسب‪ ،‬وإنما جاء‬                ‫عليها عبارة حرب الاستنزاف‬
  ‫ولمصر‪ ،‬وترك القارئ في مواجهة‬      ‫بطاقة إشارية وإيحائية تثير خيال‬          ‫وتفجير أتوبيس السياحة مث ًل‪.‬‬
    ‫حامد عطية مبروك الذي اسمه‬           ‫القارئ وتشحنه بطاقة دلالية‬          ‫رجال التبليغ والدعوة‪ ،‬وغيرها‪،‬‬
 ‫غالبًا مصطفى‪ ،‬النموذج الذي نراه‬    ‫تجعله ليس غريبًا عنها‪ ،‬كالسويس‬         ‫وهي قد تتقاطع أو يسبق بعضها‬
  ‫من حولنا في مصر في كل مكان‪،‬‬         ‫مث ًل‪ ،‬وعلاقة مصطفى بالسيدة‬        ‫بع ًضا حسب آلية توظيفها في خدمة‬
 ‫يشع بهج ًة أو صخبًا ربما لنبحث‬     ‫الإنجليزية‪ ،‬وتأميم قناة السويس‪،‬‬         ‫السرد‪ .‬وهناك زمن آخر إيقاعي‬
    ‫عن هذا الجزء فينا‪ ،‬ونكتمل به‬     ‫حزب التجمع بأيدولوجية اليسار‬         ‫نشعر به في سرعة السرد أو بطئه‬
                                      ‫وأنشطته الثقافية ونشاط أفراده‬         ‫حسب طبيعة الشخصية‪ ،‬فكتابة‬
‫ببساطة‪ ،‬ولا نخشاه‬                     ‫في المعارضة‪ ،‬وكنجز بار بفندق‬          ‫عالم مصطفى بتفكيره وحركته‬
      ‫لأنه با ٍق بقاء‬                                                      ‫السريعة يختلف إيقاعه عن كتابة‬

   ‫إنسانيتنا‪ ،‬رأيناه‬
 ‫في زوربا اليوناني‬
‫لكزنتزاكي‪ ،‬ورأيناه‬

    ‫هنا في الرواية‪،‬‬
 ‫وسنقابله دو ًما في‬

    ‫كل مكان يضج‬
 ‫بالبهجة والصخب‪،‬‬
  ‫بالشهامة والخطأ‬
  ‫الإنساني وينحاز‬

       ‫دائمًا للحياة‬
   265   266   267   268   269   270   271   272   273   274   275