Page 267 - merit 36- dec 2021
P. 267

‫‪265‬‬  ‫ثقافات وفنون‬

     ‫كتب‬

     ‫متاهة العاشق ‪..‬‬

‫عوالم إنسانية تفيض‬
                                                             ‫أمل جمال‬
   ‫بالبهجة والصخب‬

                   ‫وتنحاز للحياة‬

‫ومأكله ومشربه‪ ،‬وهي القاعدة التي‬       ‫هدفه وتوصيل رسالته إلى القارىء‬            ‫شخصيات قليلة في الأدب‬
 ‫لا يطبقونها بالمثل مع من يخالفهم‬                             ‫بنجاح؟‬
 ‫بدعوي هدايتهم إلى صحيح الدين‬                                                   ‫الإنساني تركت علامة وقاومت‬
                                          ‫يكتب عبد الوهاب داود روايته‬               ‫النسيان في الذاكرة‪ ،‬وكأنها‬
         ‫والأخلاق وجميعنا يعلم‪.‬‬        ‫(متاهة العاشق) بروح محلقة بين‬
 ‫ليس هذا كل ما تضمه الرواية في‬        ‫عالمين متوازيين تاريخيًّا واجتماعيًّا‬     ‫ُع ِّمدت بماء الخلود‪ ،‬منها أوديب‬
‫عالمها‪ ،‬فهناك الحب بمختلف أشكاله‬                                                 ‫سوفوكليس وهاملت شكسبير‬
                                         ‫وسياسيًّا ودينيًّا‪ .‬يترواح فيهما‬     ‫وزوربا كزنتازاكي‪ .‬هذه العلامات‬
    ‫ومعناه الواحد‪ ،‬وهناك الخيانة‬        ‫بين القديم والحديث‪ ،‬بين الماضي‬
‫والغفران اللذان يهزمان أمام الرغبة‬                                                   ‫الأدبية التي تصل إلى حد‬
                                           ‫والحاضر‪ ،‬ما هو كائن بالفعل‬         ‫الأسطورة ‪-‬في رأيي‪ -‬قلَّما يقترب‬
 ‫في الحياة التي تستمد وقودها من‬          ‫وما ينبغي أن يكون‪ ،‬بين الهوية‬
    ‫الحب‪ .‬تتماس الرواية أي ًضا مع‬                                               ‫منها أحد‪ ،‬بل لا يجرؤ حتى على‬
  ‫الدين بشكل عام سواء (إسلامي‬               ‫والجديد الذي طرأ عليها من‬            ‫التفكير في ذلك‪ ،‬إلا حين يمتلك‬
  ‫أو مسيحي)‪ ،‬وعلاقتنا به كبشر‪،‬‬             ‫تجريف في حقبة البترودولار‪،‬‬        ‫جسارة وذكا ًء يمكنانه من ترويض‬
   ‫ومدى تأثيره في حياتنا اليومية‬           ‫وما لحقها من حركات اتخذت‬               ‫حصانه الجامح‪ ،‬وحبر قلمه‪،‬‬
     ‫كتطبيقات‪ ،‬وعلاقته بالتسامح‬         ‫من عبارة ‪-‬الفكر الديني‪ -‬ذريعة‬            ‫ليصل إلى الانتصار في معركة‬
  ‫الكبير‪ ،‬بالمحبة والرحمة التي هي‬          ‫لما هو غير ديني ولا إنساني‪،‬‬        ‫«نعم أستطيع»‪ .‬أستطيع الاشتباك‬
                                         ‫تمثل في الحوادث الإرهابية التي‬       ‫والكتابة دون أن يسقط القارئ في‬
‫جوهره‪ .‬في الرواية يوجد خليط من‬          ‫بدأت حربها ضد المجتمع وأرخته‬
   ‫المشاعر المتدفقة التي يصعب في‬      ‫بالتفجيرات والقتل وأشلاء الأبرياء‪،‬‬           ‫فخ التشابه ويسقطني معه‪.‬‬
                                            ‫ووثقت حضورها الاجتماعي‬                ‫أن يقترب كاتب من أسطورة‬
 ‫حالات كثيرة تسميتها‪ ،‬أو وضعها‬          ‫وفكرها في الواقع اليومي المعاش‬         ‫مكتوبة هي عين المغامرة وجماع‬
 ‫في إطار من الأطر المتعارف عليها‪،‬‬       ‫بالجلباب القصير والنقاب متعدد‬        ‫القدرة والذكاء‪ ،‬لأنها تضع القارىء‬
  ‫والتي ينجح الكاتب في جعلك أنت‬            ‫الطبقات‪ ،‬وهذا بالمناسبة ليس‬         ‫في مواجهة القديم الراسخ‪ ،‬فماذا‬
 ‫أي ًضا كقارىء لا تحاكمها أخلاقيًّا‪،‬‬      ‫محاكمة للمظهر وحرية اختيار‬          ‫يقدم الكاتب إذن كي لا يقع في فخ‬
 ‫ولا ترفض وجودها ببساطة لأنها‬           ‫الملابس قدر ما هو رصد وتوثيق‬            ‫المقارنة؟ وما الذي دفعه إلى تلك‬
 ‫تحدث‪ .‬ولأن أصحابها شخصيات‬              ‫لأثره في الشارع المصري‪ ،-‬فكل‬            ‫المغامرة إن لم تكن لديه أسبابه‬
                                          ‫منا ح ٌّر تما ًما في اختيار ملبسه‬  ‫وحيله السردية وأدواته التي تمكنه‬
     ‫خلف أقنعة الحكي كل مهمتها‬                                                   ‫‪-‬في النهاية‪ -‬من الوصول إلى‬
  ‫هي أن تضعك أمام ثوابتك وتثير‬
   262   263   264   265   266   267   268   269   270   271   272