Page 42 - merit 36- dec 2021
P. 42

‫العـدد ‪36‬‬   ‫‪40‬‬

                                                            ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

   ‫الرسائل صورة دائرية بالقسم الأول والأخير من‬                                                  ‫المطبخ وأنا»‪.‬‬
  ‫الكتاب‪ ،‬تتناول فيهما كواليس عملية الكتابة‪ ،‬وكأنها‬         ‫تق ّدم الكاتبة إهدا ًء للمطبخ‪ ،‬وقد منحته صبغة مؤنسنة‬

     ‫استشعرت سؤا ًل يدور ببال القارئ حول سبب‬                     ‫من الأفعال الإيجابية «لا يملّني‪ /‬يفتح‪ /‬ينشر»‪،‬‬
     ‫كتابتها لتلك الرسائل؛ فتذكر أنها فعل ضروري‬                   ‫لتفرده بها‪ ،‬ثم استخدمت فع ًل راب ًعا للربط بين‬
‫مرتبط بالفقد والغياب والوحدة‪ ،‬وهي الثيمة المعهودة‬              ‫كيانها وكيانه في «كلانا يعيد تعريف الآخر»‪ .‬ومن‬
    ‫في الرسائل الأدبية‪ ،‬حول «كون الرسائل كما قال‬               ‫ث ّم‪ ،‬يخرج المطبخ من كيانه كفضاء مكاني إلى كيان‬
    ‫ريكاردو بيجليا جنس أدبي ضار يتطلب الغياب»‪.‬‬                ‫مؤنسن مخاطب من قبل الكاتبة بالدرجة الأولى‪ ،‬ثم‬
   ‫تتب ّدى الرسالة الأدبية كنوع من الحوار سواء عن‬           ‫تبدأ الكاتبة ببناء عدد من العلاقات بين العتبتين الأولى‬
  ‫طريق الورقة والقلم أو الأجهزة المحمولة‪ ،‬وتربطها‬                ‫والثانية‪ ،‬لتؤثث في ذهن المتلقي الصورة النمطية‬
     ‫عدة سمات مشتركة أو مكونات أربعة‪ :‬المُر ِسل‪،‬‬              ‫المتخيلة حول علاقته بالمرأة وامتلاكه إياها أكثر من‬
‫والمُر َسل إليه ومحتوى الرسالة والهدف من الرسالة‪.‬‬             ‫امتلاكها إياه‪ .‬وهنا يسأل القارئ نفسه‪ :‬كيف يمكن‬
‫والعلاقة بين المُر ِسل والمُر َسل إليه لا يمكن النظر إليها‬   ‫لتلك العلاقة النمطية أن تخرج من بين جنباتها ثورة‬
    ‫كعلاقة بين مكونين منفصلين‪ ،‬وإنما هما مكونان‬             ‫ما حتى وإن كانت ثورة للفانيليا؟ كيف يحتضن مكان‬
  ‫شديدا التواشج‪ ،‬فالمرسل أو كاتبة الرسائل المتخيلة‬
  ‫حال كتابتها تتخيّل المرسل إليه أمامها‪ ،‬وتتوقع أثر‬                           ‫كهذا فكرة التم ّرد أ ًيا كان نوعها؟‬
‫وقع كلماتها عليه وهي الأعلم بردود أفعاله‪ .‬والمرسل‬                    ‫لا ينبغي أن ُينظر للمطبخ كمكان هامشي أو‬
‫إليه في الغالب قار ٌئ متخيل‪ ،‬أو هو المتلقي نفسه‪ ،‬لأنه‬            ‫يتسم بنمطية بسبب صورة المرأة التقليدية التي‬
‫هو الوحيد الذي يقرأ تلك الرسائل‪ ،‬أو ربما تكون هي‬                ‫تمضي فيه الساعات‪ ،‬بل ووف ًقا للدراسات الأدبية‬
   ‫الكاتبة المتخيلة نفسها كما تصرح في نهاية الكتاب‪.‬‬             ‫الخاصة بحقل الطعام ‪ food studies‬فإن للطعام‬
   ‫وتذكر سبب كتابتها‪« :‬هناك على الصفحة البيضاء‬                 ‫علاقة وطيدة بالمخزون الثقافي والهوية الاجتماعية‬
 ‫أوثق أنا‪ ..‬أحلام عانس مثالية لم يمسها الشوق»‪ ،‬ثم‬               ‫للجماعات الإنسانية‪ ،‬شأنه شأن أي تمظهر ثقافي‬
‫تقول «أوثق تلك الوخزات اللطيفة التي تعتريني حينما‬              ‫واجتماعي آخر‪ .‬لذا‪ ،‬فإن الجنوح إلى نقل الهامشي‬
‫يبتسم لي بطل المسلسل الوسيم وأس ّب خيانته لي»‪ .‬لا‬                ‫إلى المركز يتماس مع فلسفة جان فرنسوا ليوتار‬
‫تعاني الكاتبة ‪-‬أقصد هنا كاتبة الرسائل المتخيلة‪ -‬من‬             ‫حول السرديات الصغرى في عصر ما بعد الحداثة‪،‬‬
  ‫الغياب فقط‪ ،‬وإنما تعتريها الوحدة التي لا يبدو لها‬          ‫حيث ُتنبذ الاعتمادية على السرديات الكبرى‪ ،‬وتصير‬
   ‫مخرج منها سوى عبر الكتابة لآخر (المرسل إليه)‪،‬‬                  ‫السرديات الصغرى هي الشكل الرئيس للخيال‬
                                                              ‫الإبداعي؛ فلا تتناول الكاتبة أحداث محورية كالعمل‬
                                                              ‫والدراسة مث ًل كما لمّحت في عرض الكلام‪ ،‬بل تدور‬

                                                                                                    ‫الرسائل‬
                                                                                                   ‫والأحداث‬
                                                                                                 ‫المتشظية في‬
                                                                                                  ‫فلك المطبخ‬
                                                                                                   ‫وحوادثه‬
                                                                                                  ‫الصغرى‪،‬‬
                                                                                                 ‫كطرق المطر‬
                                                                                                 ‫على الشبّاك‬
                                                                                               ‫أو سير النمل‬
                                                                                                 ‫لتتبع فتات‬

                                                                                                     ‫الطعام‪.‬‬
                                                                                                       ‫تأخذ‬
   37   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47