Page 70 - merit 36- dec 2021
P. 70

‫العـدد ‪36‬‬                                             ‫‪68‬‬

                                                                                                           ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

                 ‫جمال نجيب التلاوي‬

           ‫شرفة تطل على النهر‬

 ‫من شرفة غرفته المطلة على النيل‪ ،‬كان يراه متس ًعا‬
 ‫وعمي ًقا‪ ،‬وزرقة صافية تظلل لونه‪ ،‬جاءه إحساس‬
   ‫أن السماء تسبح في مياه النهر‪ ،‬وحين نادته أمه‬

                          ‫‪-‬وهي مجهدة‪ -‬قالت‪:‬‬
  ‫‪ -‬هذه الأصص وزعوها بينكم‪ ..‬لم يعد لنا بيت!‬
‫هي لم تقل الجملة الأخيرة‪ ،‬لكنه وأخوته أدركوها‪،‬‬
   ‫كانت أصص الزرع عشقهم ومتعتهم‪ ،‬تملأ كل‬

                                 ‫جوانب البيت‪.‬‬
    ‫‪ -‬أصص الزعتر هذي لك‪ ..‬أعرف أنك تحبها‪..‬‬
     ‫واختصتني بها‪ ،‬في صمت حمل أخوتي بعض‬
  ‫الأصص‪ ،‬وكانت زهور البوتس الخضراء تتقطع‬
 ‫أوصالها؛ لأنها كانت تربط كل جدار البيت‪ ،‬تدخل‬
  ‫حجراتنا وتخرج‪ ،‬كلما دخلت حجرة‪ ،‬وقفت أمي‪،‬‬
 ‫يساعدها أبي‪ ،‬قبل رحيله‪ ،‬وهي تقف فوق كرسي‬
 ‫وتمد الحبال في أعلى الحجرة‪ ،‬ويرفع لها أبي عود‬
   ‫البوتس برفق‪ ،‬وتثبته برفق‪ ،‬وهي تقول‪ :‬ها هي‬
‫تظلل الآن حجرتين‪ ،‬ثلا ًثا وهكذا‪ ..‬حتى ربطت بين‬
‫حجراتنا جمي ًعا‪ ،‬كنت أنظر للأصيص الصغير الذي‬
 ‫يحمل الجذر وأتعجب كيف لهذا الجذر الصغير أن‬
 ‫يمتد ليشمل البيت كله‪ ،‬بدأ نبتة صغيرة في حجرة‬
   ‫أبي وأمي‪ ،‬ثم امتد‪ ،‬الآن تحاول جاهدة أن تلملم‬
     ‫عود البوتس‪ ،‬وأن تجمع أطرافه من الحجرات‬
‫المختلفة قد غادروا المنزل منذ سنوات‪ ..‬واح ًدا بعد‬
‫الآخر‪ ،‬جلست متهالكة وقالت‪ :‬عندي حل‪ ،‬كل‬
‫واحد يأخذ فر ًعا من الأفرع التي تقطمت‬
  ‫ويضعها في أصيص في شقته سوف‬

                              ‫تنمو‪.‬‬
   65   66   67   68   69   70   71   72   73   74   75