Page 94 - merit 36- dec 2021
P. 94

‫العـدد ‪36‬‬                          ‫‪92‬‬

                                                             ‫ديسمبر ‪٢٠٢1‬‬

‫محمد الكاشف‬

‫مرور الغريب‬

                        ‫الحياة والشمس‪ ،‬قلت له‪:‬‬         ‫سأقف لأحدثكم عني‪ ،‬لأحدثكم عن الحياة التي‬
                            ‫‪ -‬ده شباك أوضتي‪.‬‬          ‫تغتال من أرادها‪ ،‬مثلما يتحدث العالم عن الجوع‬
                                 ‫‪ -‬ما أنا عارف‪.‬‬    ‫والصحون التي صنعت من مواء القطط‪ ،‬سأفقأ عين‬
                                ‫‪ -‬هو انت مين؟!‬       ‫الصمت الذي لا أجد معه ما قد يمحو أثر الوحدة‬
                                                   ‫والخذلان‪ ،‬ومحاولاتي المستمرة في التجريب للعبور‬
   ‫‪ -‬مش مهم‪ ،‬المهم إني شوفتك ولاجل مساعدتك‬           ‫إلى بعض الونس والطمأنينة‪ ،‬الحقائق التي ‪-‬رغم‬
‫ليا فأنا هاشرب كوباية شاي معاك بس من غير ما‬          ‫صدقها‪ -‬أرهقتني باللذة المفقودة للعيش فسكنت‬

                             ‫تسألني أنا جي ليه‪.‬‬           ‫قلبي الذي لم يعد كما كان‪ ،‬ربما بعض اللين‬
                                    ‫‪ -‬بس أفهم‪.‬‬       ‫بالعروق التي جففها الألم وشققها اليأس قد يعيد‬

               ‫‪ -‬هاتفهم بكرة‪ ،‬بس عمو ًما شك ًرا‪.‬‬                              ‫شيئًا ينتمي لي وهجر‪.‬‬
     ‫غربتي عاودتني‪ ،‬وها أنا ذا أقضم أظافر الفكر‬    ‫كنت في يوم ما ‪-‬أذكره جي ًدا‪ -‬في الطريق إلى قلبي‪،‬‬
  ‫الذي طالني بعدما جلسنا سو ًّيا دون خروج لبنت‬
‫شفة‪ ،‬على المقهى رأيته يتأملني بعين ليل كئيب ذقت‬         ‫وجدت بعض الصبية يتلاعبون بكهل يبدو أن‬
 ‫طعمه‪ ،‬مرات عدة‪ ،‬كأنما يريد قول الكثير مثل الماء‬    ‫الدنيا أرهقته بألعاب سيركها القائم‪ ،‬هكذا هم أبناء‬
‫الذي شربه ويبدو أن حالي التعس منعه‪ ،‬تركني بعد‬
 ‫مدة كانت كربطة عنقه المتعبة على صدره‪ ،‬وقبل أن‬        ‫قريتي‪ ،‬لا يستسيغون الغريب‪ ،‬هذا الحال عادي‪،‬‬
                                                       ‫كأنهم سكاكين تسلطت على الضعيف‪ ،‬نهرتهم‪،‬‬
          ‫يغادر فتح دكانه لكلمة واحدة‪ :‬متزعلش‪.‬‬      ‫وأخذته بعي ًدا‪ ،‬ترجلنا وهو كدلو فاض بماء حزنه‪،‬‬
                                                     ‫عرضت عليه المساعدة في أي شيء يطلبه‪ ،‬باغتني‬
‫ذهب وهو ينظر إلى ساعته‪ ،‬يبدو أن عقاربها أخبرته‬
  ‫بميعاد آخر‪ ،‬لا أعرف‪ ،‬لكن كل ما أعرفه أني حين‬                                          ‫باستنكاره‪:‬‬
   ‫صحوت من نومي لم أجد وجهي في مرايا البيت‬           ‫‪ -‬أنا ليه يحصل معايا كده؟ أنا عمري ما قصرت‬
    ‫الذي لجأ فيه أبي هرو ًبا للحياة ثم ذهب‪ ،‬حينها‬
   ‫فهمت‪ ،‬وغير عابيء عدت إلى وسادتي ببسمة لا‬                                              ‫في حاجة؟‬
  ‫أنكرها‪ ،‬لربما يأتي هذا المُخلِص الذي جاء ورحل‪،‬‬         ‫‪ -‬هو أنت منين يا عمي؟ وايه اللي جابك هنا؟‬
  ‫ومع ذلك أنتظره كل يوم لربما يأتي‪ ،‬فلا حيلة لي‬     ‫‪ -‬كنت رايح لحد ساكن هنا الدنيا جات عليه وكل‬
                                  ‫الآن غير ذلك‪.‬‬
                                                                              ‫شوية بيطلب زيارتي‪.‬‬
                                                                                            ‫‪ -‬هنا؟‬

                                                       ‫أشار بيده إلى نافذة مغلقة أعرفها جي ًدا طردتها‬
   89   90   91   92   93   94   95   96   97   98   99