Page 136 - Pp
P. 136
العـدد 35 134
نوفمبر ٢٠٢1
المفردات المنطقية من طابعها صحيح الحد والقياس عن غيره، لم تزل عن الغزالي شكه؛ بل زاده
الأرسطي ،ولذا فالنسق المعرفي فيتميز العلم اليقيني عما ليس الاعتقاد بالمنطق حيرة.
عند الغزالي لا يخلو من امتزاج يقينيًّا ،وكأنه الميزان أو المعيار
القواعد المنطقية بالأدوات اللغوية، للعلوم كلها». الأرجح أن الغزالي لم ينحرف في
والعمل على أسلمة المنهج المنطقي فهذا التعريف في عمقه ركز إدخاله المنطق في علوم المسلمين؛
على كلمة القانون ،وتعني الآلة
إن صح هذا التعبير. الصناعية النظرية ،كما نظر إلى مادام يق ّوم العقل ،ويسدد
يتجلى ذلك من خلال ما سعى المنطق بصفته المعيارية؛ حيث الإنسان نحو الطريق الصحيح،
إلى بيانه في كتابه «القسطاس يضع المنطق معاني الصواب وقد استند في ذلك على القاعدة
المستقيم» ،حيث تخلى بصورة والخطأ ،فيميز صحيح الحد
والقياس عن فاسدهما .ويمكن الشرعية التي تؤكد أن الحق
كلية تقريبًا عن استخدام القول هنا إن هذا التعريف لا والحكمة يؤخذان أين وجدا،
المصطلحات المنطقية المتعارف يختلف كثي ًرا عن تعريف ابن فليس في الإسلام كما هو واضح
عليها منذ القدم ،ولم يقتصر سينا الذي يذهب إلى أن المنطق معاداة للواقع أو محاولة للبدء من
نقطة الصفر كما يقال ،لأن المنهج
الأمر على مجرد أسماء هذا يبحث في صورة الفكر ،ولا خلاف الإسلامي الحضاري منهج واقعي
العلم (المنطق) بل امتد ليشمل أن ما أشرنا إليه في جملته ينطبق يعتمد على ما أنجزه الآخرون،
على ما وضعه أرسطو ،كما يرى ولا يجد الإسلام غضاضة أص ًل
المصطلحات المستخدمة في في الاستفادة من جهود الآخرين،
القياس من مقدمات وحدود؛ علي سامي النشار (ت1980م). وما يتفق مع أساليبه وأدواته
عملية تقعيد مشروع الغزالي وتطلعاته وأصالته الفريدة التي
حيث اصطلح على مبحث لتجديد منهج علم أصول الفقه تتبنى ما هو خير ،وتقلع عن كل
القياس بالميزان الذي يحمل في قامت على أسس منطقية ،دون
إغفال للمنظومة اللغوية ،وعليه ما فيه دمار وشر.
أبعاده معنى «القياس» مثلما اشترط على المجتهد ضرورة من هذا المنطلق فقد كان غرض
أيضا «معيار» و»مكيال» ،وهذه تحصيل اللغة والنحو في طلبه الغزالي من العمل بأسس المنطق
لعلم الأصول ،بغية التحرر من
المصطلحات الجديدة كما هو تقوية الاستدلال الإسلامي
ملاحظ مصدرها القرآن الكريم. المنطق الصوري ،سعيًا إلى تجريد وضبطه ،وإحداث طفرة جديدة
ولا خلاف أن الميزان هنا روحاني في عملية التعارض الثقافية بين
الأصالة والفكر الغربي اليوناني.
يختلف عن الميزان الجسماني، وهذا يؤكد تحلي الغزالي بالروح
ميزان البر والشعير والذهب
العلمية .وكيفما
والفضة. كان الأمر فاعتماده
على أسس العقيدة
الإسلامية جعله
يتخذ موق ًفا راف ًضا
للمنطق من الناحية
الاصطلاحية رغم
تبنيه للمنطق من
الناحية العملية -أي
الممارسة ،-فالغزالي
يحدد المنطق بأنه
«القانون الذي يميز