Page 31 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 31
على صعيد التصوير الفني ،عمد َسَّراد توصيف سيكولوجي خفي يتجسد في
عيون الناس ،حيث الجوع صفة معنوية
الُأضمومة إلى تصوير المشاهد تصويًرا
أسندها السارد للعيون على سبيل
دقي ًقا ،عبر المزاوجة بين الوصف المرئي التجريد.
المكثف للأحداث ،والتصوير النفسي كما يتجسد الحكي المشهدي في قصيصة
أخرى بعنوان «الذكريات المفقودة»،
للحالات والمشاهد الدرامية ،على شاكلة وتتفرع إلى صورتين لغويتين:
الصورة الأولى :التقت نظراتهما في
رسام اللوحات التشكيلية أو مصور
الجسر المعلق ،من حينها وعدها أن يبقى
اللقطات السينمائية ،حيث تسهم حبيبها إلى الأبد.
العين في التقاط المشهد وتتبع الصورة الثانية :عادت إلى ذكرياتها
الأولى وحيدة ،حطام الجسر المعلق
جزئياته وتفاصيله ،واكتشاف شخوصه
بين الفرات والأرض ..تشتاق لحكايات
من الناحيتين الخارجية والداخلية الهواء(.)16
ومدهش ،وهذا التفسير ينطبق على بدايات نهايات الصورتان م ًعا تعرضان شخصيتين
القصيصات ونهايتها ،ويعرفها الدكتور عبد العاطي متحابتين ،عبارة عن مزيج من الواقع
الزياني بأنها «ورطة مثيرة تشكك في اليقينيات والخيال ،من الحقيقة والوهم ،من
وتعاكس المألوف»(.)17 الماضي المشرق والحاضر المظلم ،لذلك
يسري التشظي حتى على مستوى الزمان «عادت
ففي قصيصة «ليلى والذئب» ،تبرز المفارقة صارخة وحيدة إلى ذكرياتها» ،وعلى مستوى المكان «حطام
في العنوان ،حيث تتبدى المجانسة بين المتضادين الجسر المعلق بين الفرات والأرض» ،ولذلك تعاني
ماهي ًة وتكوينًا وجن ًسا مستحيلة ،إذ لا محل الشخصيتان من حالة فصام حادة تجعلهما
لوجود ائتلاف أو مؤانسة بين النوعين :الإنساني مشدودتان للماضي بشوق وحنين ،ومحاصرتان
في وحدتهما القاتلة حيث تبخر حلم الحبيب ولم
والحيواني ،أي بين ليلى والذئب مما يضفي شحنة يعد سوى حكاية وهم وخيال ،وقد وظف السارد
رمزية قوية على مسار السرد ،ويولد الاندهاش تقنية الاسترجاع لإثراء المشهد العاطفي واستكمال
الصورة الكلية التي تعمق إحساس الشخصيتين
لدى المتلقي بفعل التوتر الداخلي الذي يحدثه الجمع بعبثية الواقع ولا جدوى الحياة ،وتظل الذكريات
بين كائنين متضادين :ليلى بأنوثة الفتاة ولطفها المفقودة مجرد بلسم لجروح الحاضر وشروخه،
ومن ثمة يتبدى للقارئ بأن الحكي المشهدي تقنية
وإنسانيتها ،والذئب بفظاظته ورعونته ووحشيته، سردية مهمة في تجلية اللحظة الوامضة.
وهذه قمة التناقض الذي يعد سمة فنية بارزة في
خاصية المفارقة
الأضمومة.
العلاقة بين ليلى والذئب علاقة ضدية متعارضة تعد المفارقة خاصية جمالية تكسب النص القصصي
على المستوى البيولوجي ،ونرمز لها بالمعادلتين الدهشة والانبهار ،وتفضح العيوب المجتمعية
التاليتين: مبرزة أوجه التناقضات الممكنة بين جلادي الثورة
ليلى :إنسان +عاقل. وضحاياها ،ومن ثم فهي تقنية أسلوبية تتجاوز
الذئب :حيوان -عاقل. حدود المنطق والألفة لتنفتح على كل ما هو غريب