Page 27 - merit el-thaqafia 38 feb 2022
P. 27

‫‪25‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫والصواب وتجسده في القصيصة حورية البحر‪،‬‬                 ‫ومن هذا الاستيعاب المتوتر على وجه التحديد‬
    ‫لتبددت كل الشكوك‪ ،‬ولاهتدت الذوات المتشظية‬                        ‫تنبجس رؤية جديدة للواقع»(‪.)7‬‬
     ‫إلى طريق الخلاص والسلم المفقودين‪ ،‬ولتحقق‬
                                                       ‫كما استدعى في القصيصة رقم (‪ )50‬الجوهرة‬
  ‫حلم الديمقراطية المفقودة‪ ،‬وذلك بالحوار (الكلمة)‬  ‫السوداء التي ترمز إلى التشاؤم والحسرة والعبثية‪،‬‬
   ‫الجاد والهادئ‪ ،‬بدل الاحتكام إلى العنف الدموي‬
   ‫والتطاحن المسلح‪ ،‬وقد أفضى هذا الوضع إلى ما‬          ‫وهي رمز أدبي يعكس نفسية السارد المنكسرة‬
‫أعتبره نهاية الاتصال‪ ،‬ويعني نهاية التواصل المبني‬      ‫والمتشظية في حميَّا البحث عن الذات وعن الوطن‬
 ‫على التفاوض الهادئ الذي يقدم كل طرف تنازلات‬
    ‫ويقدم حج ًجا ويجادل عن بينة دون تعصب أو‬              ‫الفاقد لمعنى الاستقرار والأمان‪ ،‬كما أنها رمز‬
                                                     ‫متعدد الأبعاد تتحلق حوله الكلمات (البحر‪ ،‬قلبي‪،‬‬
      ‫اندفاع مجاني أو تهور لا يراعي العواقب ولا‬
                            ‫يستشرف المستقبل‪.‬‬            ‫حرية‪ ،‬ضالتي) والصور الجزئية المتضمنة في‬
                                                        ‫القصيصة (أبحث عن قلبي‪ /‬وقفت أمام البحر‬
      ‫لقد أكسب الرمز المركب هنا القصيصة أبعا ًدا‬         ‫لأستريح‪ /‬خرجت حورية من البحر) لتشكل‬
  ‫جمالية جديدة عملت على التأثير في المتلقي جاع ًل‬  ‫صورة رمزية متكاملة ومنسجمة عاكسة لإحساس‬
                                                   ‫المرارة والخيبة‪ ،‬ومشاركة في تعميق هذا الإحساس‬
      ‫المفردات والصور قابلة للتأويل‪ ،‬كما نجح في‬         ‫في أرجاء القصيصة‪ ،‬لذلك تتداخل هذه الصور‬
    ‫توظيف فضاء البحر وهو فضاء طبيعي أثيري‬          ‫الرمزية لتكون صورة كلية هي صورة ذات مبعثرة‬
   ‫للتأمل والاعتبار وإعادة الأوراق من جديد‪ ،‬وهو‬       ‫فقدت بوصلة الحياة‪ ،‬ولا تزال تبحث عن نفسها‬
 ‫ما اصطلح على تسميته بالاستبطان في علم النفس‬         ‫وكينونتها‪ ،‬ولكنها صدمت بما سمعته من حورية‬
 ‫الحديث‪ ،‬وقد أومأ ابن سينا للتأمل الذاتي بالقول‪:‬‬     ‫البحر التي أومأت للذات التائهة بأن مفتاح النجاة‬
‫«وأما الشعور بالذات فإن الشاعر بما هو‪ ،‬هو نفس‬           ‫كامن في الكلمة‪ ،‬وبدونها يظل البحث عن الحل‬
   ‫الذات‪ ،‬فهناك هوية ولا غيرية بوجه من الوجوه‪،‬‬
  ‫فإنك ما لم تعرف ذاتك لن تعرف أن هذا الشعور‬                               ‫ضر ًبا من الوهم والعبث‪.‬‬
 ‫من ذاتك هو ذاتك(‪ .)8‬أمكن للسارد من خلال الرمز‬       ‫يحمل هذا الرمز المركب كثافة رمزية‪ ،‬فلو أسقطنا‬
 ‫التعبير عن موقفه المتبصر وإبلاغ رسالته السلمية‬
                                                       ‫دلالات الصور والمفردات على الواقع المعاش في‬
                    ‫إلى كل مواطن غيور على بلده‪.‬‬    ‫سوريا‪ ،‬لألفينا القلب الذي تبحث عنه الذات العاشقة‬
     ‫كما تشي بقية النصوص برموز ذات إشارات‬
  ‫خفية من قبيل «علبة كبريت» في قصيصة «أحلام‬              ‫ليس سوى اللحمة الوطنية المشتركة بين بني‬
   ‫شرقية»‪ ،‬الذي يكتسب دلالته الرمزية في سياق‬          ‫الوطن‪ ،‬إنه الحب والسلم والتآزر ونكران الذات‪،‬‬
‫واقع المرأة المتزوجة وما تعانيه من انفصام كلي بين‬   ‫ولو عادت هذه الطوائف المتصارعة إلى جادة العقل‬
   ‫أحلامها المثالية بعيش كريم بإيجاد شقة تأويها‬
‫بمعية زوجها وأطفالها الصغار‪ ،‬وبين واقعها المرير‬
 ‫الذي يجود عليها بغرفة ضيقة قبل الزواج وبعلبة‬

           ‫كبريت بعد الزواج‪ ،‬وهنا تكمن المفارقة‪.‬‬
     ‫تبين أن عبارة «علبة الكبريت» تتجاوز دلالتها‬
     ‫اللغوية المباشرة‪ ،‬لترمز إلى فضاء جحيمي هو‬

        ‫عرضة للاحتراق باستمرار بنيران البنادق‬
    ‫والرشاشات‪ ،‬كما تكتسب كلمات أخرى قيمتها‬
   ‫الرمزية في ارتباطها بشخصية ملعونة في التراث‬
‫الديني (إبليس)‪ ،‬وبما ترمز إليه في وجدان الإنسان‬
    ‫العربي من حقارة وذل ومهانة وخبث وتسلط‪.‬‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32