Page 56 - merit
P. 56

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪54‬‬

                                                        ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

    ‫ويخلق حاجات‪ ،‬وبالتالي فإن كل هذه المعطيات‬              ‫هناك الأعضاء ذات الاستعمالات النفعية‪ ،‬وهناك‬
      ‫تدل صراح ًة أو ضمنًا على إبدال ثقافي نمطي‬           ‫أي ًضا الاستعمالات الغريزية‪ ،‬وهذين الاستعمالين‬

 ‫بالتركيز على الذات الأنثوية باعتبارها أداة شهوية‬           ‫بمثابة منطلق لتجلي الثقافي‪ ،‬فالثقافة هي المحدد‬
‫ومنفعية في «الهنا» و»الآن»‪ ،‬فمن خلال الحد الظاهر‬           ‫الرئيسي للدلالة التي تنتجها تلك الأعضاء‪ ،‬فكل‬
 ‫للوصلة الإشهارية يتم تسريب كل الصور الواعية‬               ‫الملفوظات المنجزة من طرف الذات‪ /‬الجسد‪ ،‬عبر‬
                                                        ‫التنوع الإيمائي لا تفهم إلا من خلال تحديد مسبق‬
 ‫واللاواعية المرتبطة بالذات النسائية وملكوتها‪ ،‬من‬           ‫للسياق الثقافي الذي تنجز داخله هذه الوحدات‬
 ‫حاجات ورغبات ووظائف وأدوات وغرائز‪ ،‬تصبح‬
  ‫بموجبها هذه الصور انعكاس للثقافة البديل وهي‬                 ‫الإيمائية‪ ،‬لذلك فالعين مث ًل هي جزء من كلية‬
  ‫ثقافة الجسد‪ ،‬وكذا صياغة لثلة من المبادئ والقيم‬        ‫الجسد‪ ،‬لها وظيفة نفعية وهي النظر‪ ،‬لكنها تتجاوز‬
 ‫الاجتماعية‪ ،‬التي سيتم تطبيعها لتصبح نافذة نطل‬          ‫ذلك لتنتج سلو ًكا ثقافيًّا بالأساس‪ ،‬فالغمز له معنى‬

   ‫من خلالها على ذواتنا وتكشف عن حاجاتها عبر‬               ‫تحدده بنية الثقافة‪ ،‬بحيث تتجاوز العين في هذا‬
                                       ‫الإشهار‪.‬‬             ‫المقام بالذات وظيفتها البيولوجية‪ ،‬لتنتج سلو ًكا‬
                                                           ‫ثقافيًّا يتمثل في التحرش والتغزل‪ ،‬أو التآمر عبر‬
   ‫بالتالي فإن حضور الذات النسائية في الوصلات‬           ‫سلوك الغمز‪ ،‬فهذه معطيات تتم سميأتها‪ ،‬بمنح هذا‬
      ‫الإشهارية الأكثر نجاعة في عملية التسليع‪ ،‬لما‬        ‫المعطى بع ًدا ثقافيًّا‪ ،‬باعتباره أداة تخضع للأحكام‬
                                                           ‫والتصنيفات السوسيوثقافية‪ ،‬وبالتالي فإن هذه‬
   ‫يكتنزه الجسد الأنثوي من طاقة تعبيرية ودلالية‬              ‫الوضعية هي جزء من الحالات الإنسانية التي‬
     ‫جبارة‪ ،‬ش َّكل الممر الضروري الذي يتسلل من‬              ‫نصادفها في التجربة الحياتية‪ ،‬ونصادفها كذلك‬
                ‫خلاله المعنى إلى وجدان المستهلك‪.‬‬         ‫في بعض الوصلات الإشهارية‪ ،‬على اعتبار أن هذه‬
      ‫فالإشهاري ينزع عن الجسد مناطقه النفعية‪،‬‬               ‫الأخيرة هي أيقونة حية لما نعيشه في مجتمعنا‪،‬‬
                                                         ‫والذي ينعكس ويختزل في الحالات الإنسانية التي‬
 ‫ليصبح جس ًدا مص َّفى منت ًجا لسلسلة من الدلالات‬
 ‫عبر أجزائه‪ ،‬فمربط الفرس ومكمن الالتباس‪ ،‬ليس‬                                ‫تقدمها الوصلات الإشهارية‪.‬‬
                                                           ‫وبالتالي فإن ما نراه في تلك الوصلات ليست له‬
    ‫الجسد في ذاتيته‪ ،‬وإنما في الطريقة التي يوظف‬            ‫علاقة بالبضاعة أو المنتوج‪ ،‬بل هي صور نمطية‬
 ‫بها الإشهاري الجسد‪ ،‬بحيث يفرغ جسد المرأة من‬
 ‫القيم الأنثوية ويسلعها‪ ،‬ليصبح بذلك الجسد يحيل‬               ‫لا ترى تتسلل إلى الوجدان الخاص بالمستهلك‬
‫على المنتوج‪ ،‬أو بالأحرى المنتوج هو الذي يحيل على‬            ‫بشكل سلس‪ ،‬لتصير واق ًعا ثقافيًّا جدي ًدا نتبناه‬
                                                             ‫ونتمثله بشكل من الأشكال‪ ،‬فالنهدية لا تخفي‬
                                         ‫الجسد‬           ‫النهد بل تكشف عنه‪ ،‬والشمبوان لا ينظف أو يلين‬
                                                           ‫ولكنه يطلق العنان للشعر ويهبه للريح تعبث به‬
                             ‫الهوامش‪:‬‬                       ‫وتعبث بالقلوب الرائية‪ ،‬والعطر لا يفوح‪ ،‬ولكنه‬
                                                            ‫يغري وقد يجلب عشي ًقا أو زو ًجا‪ ،‬وفي كل هذه‬
     ‫‪ -1‬فريد الزاهي‪ ،‬النص والجسد والتأويل‪ ،‬أفريقيا‬       ‫الحالات التعبيرية يحضر الجسد الأنثوي بعنفوانه‬
                      ‫الشرق‪ ،‬المغرب‪ ،2003 ،‬ص‪.26‬‬              ‫وجاذبيته وحميميته كذلك‪ ،‬مما يجعل السؤال‬
                                                        ‫مطرو ًحا‪ :‬هل يمكن للجسد الأنثوي أن يبلور ويبني‬
       ‫‪ -2‬سعيد بنكراد‪ ،‬سميائيات الصورة الإشهارية‪،‬‬           ‫الهوية الاجتماعية للفرد؟ بتعبير آخر‪ :‬ألا يمكن‬
     ‫الإشهار والتمثلات الثقافية‪ ،‬أفريقيا الشرق ‪،2006‬‬       ‫أن نتحدث عن هوية بصرية ستعمل على تحديد‬
                                                            ‫حاجات ورغبات وميولات المستهلك؟ فالإشهار‬
                                     ‫ص‪.30 ،23 ،9‬‬           ‫له القدرة على صياغة هذه المضامين‪ ،‬ما دام أنه‬
     ‫‪ -3‬بيرنار كاتولا‪ ،‬الإشهار والمجتمع‪ ،‬ترجمة سعيد‬         ‫ينتج قي ًما ويوجه أذوا ًقا في غفلة من المستهلك‪،‬‬
      ‫بنكراد‪ ،‬دار الحوار للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الأولى‬

                                      ‫‪ ،2012‬ص‪.40‬‬
‫‪ -4‬سعيد بنكراد‪ ،‬السيميائيات مفاهيمها وتطبيقاتها‪ ،‬دار‬

  ‫الحوار للنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪ ،2012‬ص‪.20‬‬
   ‫‪ -5‬سعيد بنكراد‪ ،‬سميائيات الأنساق الثقافية‪ ،‬المركز‬

           ‫الثقافي العربي‪ ،‬الطبعة الأولى ‪ ،2013‬ص‪.61‬‬
                            ‫‪ -6‬المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.77‬‬
   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60   61