Page 53 - merit
P. 53

‫‪51‬‬         ‫إبداع ومبدعون‬

           ‫رؤى نقدية‬

‫جاك سغيلا‬                 ‫جان بودريلار‬              ‫فالإشهار المغربي مث ًل تتقاسمه امرأتان‪ ،‬أي تتوزع‬
                                                        ‫بين شكلين اثنين‪ ،‬فالأول عبارة عن نمط محلي‬
    ‫بها‪ ،‬على العكس تما ًما مما نجده في الإرساليات‬
  ‫الإشهارية التي تحضر فيها المرأة بصيغة أجنبية‬       ‫عربي أصيل منبثق من الفعلي اليومي‪ ،‬بحيث تقدم‬
 ‫وافدة ودخيلة على النسق الثقافي المغربي‪« ،‬تقصي‬         ‫المرأة كنسخة ميكانيكية لوضعية واقعية معاشة‪،‬‬
   ‫المحلي وتعوضه بصور شتى من الذاكرة أو من‬              ‫توجد مرجعيتها في المتخيل العام للمجتمع‪ ،‬فمن‬
‫المكتوب أو من المسقط كحالات للتماهي الوهمي»(‪،)5‬‬       ‫هذه المرأة؟ هل هي الأم‪ ،‬هل هي الزوجة‪ ،‬هل هي‬
                                                     ‫الأخت؟ إنها امرأة لا تدرك إلا باعتبار كلية جسدها‬
     ‫إنها امرأة غير متزوجة عزباء عارضة لأشياء‬          ‫وأبعاده الوظيفية‪ :‬إنها تغسل أو تنظف أو تحمل‬
‫مرتبطة بالمتعة والإغراء من خلال أشكال الوضعات‬
                                                          ‫الخرق أو تطبخ‪ ،‬فلا وجود لهذه المرأة إلا من‬
      ‫الجسدية‪ ،‬شكل الجلوس والوقوف‪ ،‬السكون‬               ‫خلال تفاصيل ما يحيط بها من أشياء وكائنات‬
   ‫والحركة‪ ،..‬ليتجاوز بذلك الجسد الأنثوي أبعاده‬      ‫ومنتوجات‪ ،‬أما الثاني‪ ،‬فهو نمط أجنبي غربي وافد‬
‫الوظيفية‪ ،‬كما هو الحال في النموذج المحلي‪ ،‬ليشتغل‬    ‫ومتحرر يعمل على تشخيص حالة الإغراء والإحتفاء‬
                                                         ‫بالذات‪ ،‬إنه يعيش في متخيل المشاهد على شكل‬
     ‫كموضوع إيروسي يشكل نموذ ًجا للاستيهام‬           ‫موضوع جنسي لا أقل ولا أكثر‪ ،‬بحيث توظيفه لا‬
     ‫والرغبة‪ ،‬وعليه يمكننا القول إن حضور الذات‬       ‫يعدو أن يكون أداة شهوية استفزازية واستنفارية‬
  ‫النسائية في كلتا الحالتين في الدائرة الاستهلاكية‬     ‫كذلك لأشكال غريزية بيولوجية‪ ،‬يصاحبها تدلل‬
   ‫يكون إما لتلبية حاجات الضرورة‪ ،‬وإما لإشباع‬
                                                           ‫أنثوي لا مثيل له‪ ،‬إنها اللذة القصوى أو هي‬
                               ‫حاجات الغريزة‪.‬‬           ‫الإغراء في شكله الكلي‪ ،‬ولهذا فإنها تحضر عبر‬
    ‫لقد كان الجسد قدي ًما عورة‪ ،‬وهاهو يتحول إلى‬         ‫جزئيات جسدها بكامل طاقاته التعبيرية‪ :‬شكل‬
     ‫موضوع استهلاكي يحتل كل الواجهات‪ ،‬لذلك‬          ‫العينين‪ ،‬استفزازية اللباس‪ ،‬ولهاث النهدين‪ ،‬وامتداد‬
                                                         ‫الذراعين والساقين‪ ،‬والشعر المتناثر في الهواء‪.‬‬
      ‫يمكن القول إن الاستخدام الإشهاري للجسد‬         ‫فتوظيف الخطاب الإشهاري لهذين النمطين مرتبط‬
   ‫الأنثوي يعتبر في كثير من الأحيان علامة فارقة‬     ‫بالدرجة الأولى بتنوع وتعدد المنتوجات‪ ،‬فأحيا ًنا يتم‬
                                                     ‫عرض المنتوجات ذات الاستعمال اليومي‪ ،‬وتحضر‬
     ‫لترسيخ أيديولوجيات معينة‪ ،‬ونتحدث في هذا‬          ‫ضمنها المرأة بصيغة محلية شعبية‪ ،‬تتوارى معها‬
       ‫المقام عن الإشكالية الأخلاقية التي يكرسها‬        ‫كل أشكال اللذة والاستيهام‪ ،‬حيث تظهر هاهنا‬
                                                       ‫المرأة المغربية بلباسها المنزلي النمطي‪ ،‬فض ًل عن‬
  ‫الإشهار‪ ،‬من خلال الصورة التي تظهر بها المرأة‬         ‫حركاتها وإيماءاتها وطريقة كلامها‪ ،‬إنها السيدة‬
                                                     ‫والمرأة المتزوجة الساهرة على إرضاء زوجها‪ ،‬التي‬
                                                         ‫تعد بشكل من الأشكال معطى يدركه المستهلك‬
                                                     ‫ويعرف أدق تفاصيله‪ ،‬لذلك يكون من السهل عليه‬
                                                          ‫التماهي مع هذه الأشكال‪ ،‬إذ إن المرأة في هذه‬
                                                       ‫الحالة تنظف الأواني‪ ،‬أو تحمل خرق الأطفال أو‬
                                                         ‫تقوم بأعمال المطبخ‪ ،..‬لذلك فإن شكل حضور‬
                                                         ‫هذه الذات النسائية‪ ،‬هو بمثابة تسجيل خالص‬
                                                          ‫لواقعة من الحياة اليومية الروتينية التي نعي‬
                                                       ‫مظاهرها وتجلياتها‪ ،‬فهذه الذات قد تكون الجدة‪،‬‬
                                                    ‫أو الأم‪ ،‬أوالزوجة‪ ،‬الأخت‪ ،‬لذلك فتمظهراتها في هذه‬
                                                        ‫الوصلات لا تخرج عن إطار الوظيفة التي تقوم‬
   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58