Page 50 - merit
P. 50

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪48‬‬

                                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

      ‫لا تتم «عبر الإقناع المنطقي البرهاني بجودة‬        ‫في البنية المجتمعية العربية‪ ،‬وفي صوره الأكثر‬
  ‫المنتوج باعتباره موضوع قيمة‪ ،‬بل بالاعتماد على‬         ‫تبسي ًطا‪ -‬يكمن في اعتباره الأصل في الحضور‬
‫الاستيهامات البلاغية الانفعالية التي تشبه التجربة‬   ‫المادي للإنسان‪ ،‬باعتباره بنية بيولوجية‪ ،‬فانطلا ًقا‬
‫البافلوفية (نسبة إلى بافلوف ‪ ،)pavlov‬حيث تلعب‬          ‫من الخصائص الشكلية للجسد (الرأس‪ -‬الوجه‬

     ‫العلامات بمختلف تمفصلاتها دور المثير الذي‬            ‫والعينان‪ -‬الشفتان‪ -‬اليدان‪ ،)..‬يتم انعكاس‬
  ‫يدفع متلقي الإشهار إلى الاستجابة (الشراء)»(‪،)2‬‬        ‫الوجود المادي والفعلي للإنسان في هذا الكون‪،‬‬
                                                        ‫وعليه فإن كينونة الجسد الوجودية والواقعية‬
     ‫فصورة المرأة في الوصلات الإشهارية تستغل‬         ‫تتحدد‪« ،‬بوصفه بنية عضوية بيولوجية‪ ،‬والجسد‬
‫لسببين رئيسيين وهما قدرتها على الشراء‪ ،‬وهذا له‬       ‫بوصفه بنا ًء ثقافيًّا واجتماعيًّا يتواصل فيه البدني‬
 ‫علاقة بالمنتوجات ذات الاستعمال النفعي الوظيفي‬        ‫بالتصوري ويتعالق فيه بدن ‪ chair‬الجسد ببدن‬
                                                    ‫العالم»(‪ ،)1‬فانطلا ًقا من تلك البنية العضوية يتجاوز‬
       ‫(كالمنتوجات التي لها علاقة بالمطبخ والبيت‬     ‫الجسد بعده الفيزيولوجي‪ ،‬ليشتغل كدال متكامل‬
    ‫بصفة عامة)‪ ،‬وحضورها ضمن هذه الوضعية‬              ‫ومكت ٍف بذاته وقادر على توليد سلسلة لا متناهية‬
‫الإنسانية له دلالات وأبعاد وحمولات تقر بصراحة‬          ‫من الدلالات انطلا ًقا من تنوع الأنماط الصانعة‬
‫ووضوح وبنجاعة هذه المنتجات المتنوعة والمختلفة‪،‬‬         ‫لكينونته‪ ،‬ولاسيما الجسد الأنثوي‪ ،‬ومن خلال‬
                                                     ‫إقحامه في اللعبة الإشهارية بالخصوص‪ ،‬فالجسد‬
                                                    ‫واقعة اجتماعية ومن ثم فهو واقعة دالة‪ ،‬فهو يدل‬
                                                     ‫باعتباره موضو ًعا‪ ،‬ويدل باعتباره حج ًما إنسانيًّا‪،‬‬
                                                   ‫ويدل باعتباره شك ًل‪ ،‬إنه علامة‪ ،‬وككل العلامات لا‬
                                                   ‫يدرك إلا من خلال استعمالاته‪ ،‬وكل استعمال يحيل‬
                                                      ‫على دلالة مثبتة في سجل الذات وسجل الأشياء‪،‬‬
                                                    ‫على اعتبار أن الجسد في المقام الأول نسق تواصلي‬
                                                    ‫له لغته الخاصة‪ ،‬ليشتغل كعلامة فارقة تلعب دور‬
                                                     ‫الوسيط بين الفعل والصورة التي ندرك ونصنف‬

                                                                                        ‫في ضوئها‪.‬‬
                                                      ‫لقد كانت للمقولة الشهيرة «الصورة تعادل ألف‬

                                                         ‫كلمة»‪ ،‬الأثر الكبير في بلورة التمثيل البصري‬
                                                         ‫لمصممي الوصلات الإشهارية‪ ،‬لما أحدثته من‬
                                                       ‫وقع على وعي المستهلك وملكوته الوجداني‪ ،‬من‬
                                                      ‫أجل الترسيخ لهوية بصرية يتمثل كل مقوماتها‪،‬‬
                                                         ‫خاصة وأننا في عصر الصورة بامتياز‪ ،‬وهذا‬
                                                   ‫مرتبط بطبيعة المرحلة الراهنة والمتمثلة في استخدام‬
                                                       ‫التكنولوجيا في تشكيل الصورة البصرية‪ ،‬ومن‬
                                                    ‫ضمنها الصورة الإشهارية‪ ،‬التي أضحت خطا ًبا له‬
                                                   ‫تقنياته وميكانيزماته المُبنينة لهذا الخطاب‪ ،‬والرامية‬
                                                        ‫إلى زعزعة كيان المستهلك ومن ثم إقناعه بفعل‬
                                                       ‫الشراء‪ ،‬ولعل أبرز تلك التقنيات استخدام جسد‬
                                                   ‫المرأة واستغلاله في الترويج للمنتجات الاستهلاكية‪،‬‬
                                                       ‫على اعتبار أن تحقيق الغاية الجوهرية للإشهار‬
   45   46   47   48   49   50   51   52   53   54   55