Page 47 - merit
P. 47

‫‪45‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

 ‫عبر عن رغبة جامحة في التحرر من قيود الكتابة‬                     ‫في الختام‪:‬‬
      ‫المعيارية النمطية التي تحنط الإبداع فيفيض‬
                                                   ‫لئن مثل التكامل بين الأجناس والفنون اتجا ًها من‬
    ‫السرد على حدود جنسه دون أن يفقد هوي َته‪.‬‬       ‫اتجاهات التحديث في الكتابة القصصية‪ ،‬فإنه كان‬
      ‫واستفادت القصة القصيرة عنده من جنس‬            ‫عند الأزهر الصحراوي تعبي ًرا عن رغبة كبيرة في‬
                                                   ‫الثورة والتغيير وتحطيم أسوار الواقع التي تطبق‬
‫الشعر وجنس الأسطورة دون أن تفقد هويتها أو‬          ‫على أنفاسه وأنفاس مجتمعه‪ ،‬يقول البطل في قصة‬
  ‫ما يصلها بجنس السرد‪ .‬وتلك سمة من سمات‬            ‫«أضاعوني»‪« :‬مر عليَّ دهر وأنا أقوم الليل منتظ ًرا‬
                               ‫الكتابة الإبداعية‪.‬‬
     ‫كما لم يكن حضو ُر الشعرية بشتى تجلياتها‬            ‫الوحي فيطول الانتظار وتنأى الكلمات فأ َهب‬
       ‫والأسطوري بمختلف تشكيلاته في الكتابة‬        ‫نفسي للحلم وتجتاحني الخيالات فيخيل إل َّي كأني‬
                                                   ‫أحلُم بسبع حسان للندبة والنواح وبأدغال للمقابر‬
‫السردية عند الأزهر الصحراوي لغاية «التزيين»‪،‬‬
   ‫تعوي ًضا عن هشاشة في التشكيل أو قصور في‬             ‫السرية وبعروش للنار تأكلها وبشرائع أبنيها‬
    ‫الرؤية‪ ،‬إذ الشعرية بهذا المعنى زائفة‪ .‬فكاتبنا‬     ‫على جسدي وباسم جديد للشمس‪ »..‬إنها رغبة‬

 ‫متمكن من معايير كتابة القصة القصيرة (وحدة‬              ‫في إعادة التكوين والتشكيل بحثًا عن الامتلاء‬
       ‫الموضوع‪ ،‬وحدة الزمن‪ ،‬وحدة الشخصية‪،‬‬               ‫والكينونة‪ .‬وكأنه يريد تقويض العالم وإعادة‬
                                                    ‫تشكيله‪ ،‬يقول البطل في ( ُنواح)‪« :‬سأقوض العا َل‬
   ‫وحدة الانطباع‪ ،‬وحدة الهاجس‪ ،‬صرامة البناء‪،‬‬            ‫وأعيد ترتيبه»‪ .‬وقد تراءى له العالم مفصوم‬
   ‫شمولية التأثير‪ ،‬الإيحاء‪ ،‬الإيجاز والتكثيف‪،)..‬‬        ‫العرى‪ ،‬بلا روح ولا معنى‪ ،‬يفترسه الجفاف‬
  ‫بل ومتمرس بها‪ .‬ولكنه يرنو من خلال توظيف‬             ‫والجفاء؛ يقول‪« :‬سأجتث هذه الجفوة الكافرة‪..‬‬
‫الشعري والأسطوري إلى إخراج الخطاب من طور‬               ‫سأبدد هذا الفراق المر بين الموجودات‪ »..‬مثلما‬
  ‫التواصل إلى طور الإبداع وقد وفق في ذلك أيما‬

                 ‫توفيق‪ ،‬وأبدع في ذلك أيما إبداع‬

                                                   ‫الهوامش والمراجع‪:‬‬

‫* محمد الحباسي‪ :‬ناقد وباحث تونسي في مجال الكتابة‪ .‬متحصل على الماجستير في تعليمية العربية (‪)2011‬‬

‫والماجستير في علوم التربية [اختصاص الإعلام والتوجيه] (‪ .)2017‬له العديد من الدراسات النقدية في مجال‬

                                                   ‫القصة القصيرة والرواية نشرت بتونس والكويت‪.‬‬

‫* الأزهر الصحراوي‪ :‬كاتب تونسي من مواليد جومين سنة ‪ 1967‬وأصيل قرية رواحة ببنزرت‪ ،‬متحصل‬

‫على الأستاذية في اللغة والآداب العربية من كلية الآداب بمنوبة‪ .‬أصدر أربع مجموعات قصصية؛ «أضاعوني»‬

    ‫(‪« ،)1997‬قد دب السوس في الأخشاب» (‪« ،)2000‬متى كنت حيًّا» (‪ )2009‬وصدرت له أي ًضا رواية‬
‫«وجهان لجثة واحدة»‪ .‬حصد العديد من الجوائز الأدبية وطنيًّا ودوليًّا منها جائزة الطاهر الحداد للإبداع‬
    ‫الأدبي سنة ‪ 2000‬وجائزة البحر الأبيض المتوسط بجنوة سنة ‪ 1997‬وجائزة الشارقة للإبداع العربي‬

‫سنة ‪ .2007‬وأحرز مؤخ ًرا (أفريل ‪ )2018‬جائزة علي الدوعاجي للقصة القصيرة مناصفة مع الكاتب طارق‬
                                                                                         ‫الشيباني‪.‬‬
    ‫(*) قال الشاعر ال َعر ِجي (عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن ع َفان) هذه الأبيات وهو في السجن‪:‬‬
                   ‫(قضى فيه تسع سنوات وقضى فيه بعد أن ُجلِد بالسياط)‪:‬‬
                                                   ‫ووأيسد َافتِد ًىَث أغ ِرضاعوا‬  ‫«أضا ُعوني‬
                                                                                  ‫ليو ِم كريه ٍة‬
                                                   ‫وخلوني لمعترك المنايا‬

                                                   ‫وقد شرعت أسنتها بنحري‬
   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51   52