Page 46 - merit
P. 46

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪44‬‬

                                                   ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

  ‫ويثري الدلالة والإحالة ويعمق القراءة والتأويل‬         ‫الأمانة‪ ،‬فأصبحنا على هذه الحالة من البؤس‬
‫فيخاطب القار َئ دون ِوصاية ويفسح المجال أمامه‬          ‫والخصاصة‪ ،‬ولم ُيجد نعيقه المزعج في أجواء‬
                                                       ‫القرية كل مساء في التعبير عن ندمه والتكفير‬
    ‫ليساهم في صنع النص وخلق دلالته بأبعادها‬          ‫عن جريمته التي اقترفها‪ .‬ومن يدري فقد يكون‬
               ‫النفسية والاجتماعية والفكرية‪:‬‬         ‫النعيق من قبيل «النكاية والشماتة»‪ .‬هي خرافة‬
                                                     ‫تمتزج فيها المأساة بالملهاة‪ ،‬فيبدو مضمونها في‬
       ‫‪ -‬البعد النفسي‪ :‬يتجلى من خلال الغوص‬          ‫الظاهر «خيالات» و»تهويمات» ل ُتض ِمر في الباطن‬
        ‫في أغوار النفس والكشف عن ذوات متألم ٍة‬          ‫سخرية من فكر عششت فيه الخرافة وإنكار‬
  ‫جريح ٍة مكلوم ٍة ومأزوم ٍة بسبب واقع الاستلاب‬      ‫مسؤلية الذات بعزو ما حدث إلى الآخر المجهول‬
  ‫والاغتراب الذي يلتهم أحلامها ويغتصب آمالها‪.‬‬
  ‫‪ -‬البعد الاجتماعي‪ :‬لقد عبرت «أضاعوني» عن‬               ‫والغيب المكنون وتبرير مرارة الهزيمة وألم‬
   ‫هموم المجتمع إذ سلطت الضوء على الاجتماعي‬        ‫الانكسار تبري ًرا خرافيًّا وقد غفلنا عن الواقع وعن‬
        ‫والسياسي في واقع يسوده الظلم والجهل‬        ‫أنفسنا وعن الوجود فظل «الماء يجري» ونحن عنه‬
       ‫والتخلف‪ ،‬فتبدو فيه المرأة في مرتبة دونية‬
      ‫تلتهمها العيون والأجساد اشتها ًء واغتصا ًبا‬                                  ‫لاهون ذاهلون‪.‬‬
  ‫ويحتقرها الرجال‪ ،‬فهي «سريعة التقلب لا يدوم‬        ‫وينتشر الخرافي في المجموعة مرتب ًطا بالبحث عن‬
       ‫لها ود‪ ،‬تصنع البلاء وتقرب الأعداء إن هي‬
  ‫عشقت»‪( .‬خريف الهلاليين) فتظهر المرأة مفعمة‬           ‫سعادة يفتقدها الإنسان فيبحث عنها في عالم‬
 ‫بالأسى والحرمان والكبت‪ ..‬كما يكشف الشعري‬             ‫الحلم واللاواقع عند «سيدي بوذراع» وقد أفل‬
      ‫والأسطوري عن الشقاء الذي يعيشه المثقف‬        ‫نجمنا ولم يعد لنا لا باع ولا ذراع‪ ،‬وعند «سيدي‬
  ‫والمناضل في مجتمع قيده الجهل وكبلته الحاجة‬        ‫البشير» نقدم له النذور لعل البشارة تأتي فيعود‬

            ‫وكتم أنفاسه ظل ُم الحكام وجبرو ُتهم‪.‬‬                                  ‫البِشر إلى ديارنا‪.‬‬
    ‫‪ -‬البعد الفكري‪ :‬يظهر من خلال الخوض في‬
‫شواغل الوجود؛ إذ تجاوزت الكتابة القصصية في‬              ‫‪ -3‬أبعاد توظيف الشعري‬
   ‫مجموعة «أضاعوني» المحلية الضيقة لتحلق في‬        ‫والأسطوري في مجموعة «أضاعوني»‬
‫فضاء الإنسانية الرحب عبر معالجة قضايا فكرية‬
      ‫ووجودية تتصل بمنزلة الإنسان في الوجود‬            ‫يرى الكاتب في العديد من الحوارات الصحفية‬
   ‫يصارع بين الموت والحياة وبين سطوة الزمان‬            ‫أن «الكتابة رسم بالكلام ووجهة نظر وموقف‬
     ‫وسلطة المكان (رعب التلاقي) يريد أن ينحت‬        ‫من الحياة والوجود»(‪ .)6‬فتنحدر الكتابة عنده من‬
    ‫وجوده ويحمل قدره في يده فترهصه العقبات‬          ‫اليومي السياسي والاجتماعي والاقتصادي‪ ،‬كما‬
                                                      ‫أن السرد في تقديره «وسيلة نضال وطريقة في‬
                             ‫وتنال منه النكبات‪.‬‬       ‫التعبير الفني عن هموم الوطن‪ ،‬فالأدب خاصة‬
    ‫لقد تمكن الأزهر الصحراوي من إثارة قضايا‬           ‫والفن عامة منارة تكشف للشعب طريق الحياة‬
  ‫عديدة شغلته في المجتمع التونسي خاصة (البعد‬           ‫الكريمة في وطن نحمله في وجداننا ونعبر عنه‬
 ‫المحلي) والعربي والإنساني عامة (البعد الكوني)‬         ‫في أعمالنا الإبداعية»(‪ .)7‬فكان لتفاعل الشعري‬
                                                      ‫والأسطوري والسردي دور هام في التعبير عن‬
        ‫فكانت مواضيع الشقاء والحرمان والفقر‬          ‫الفكرة التي تسكن في تلابيب القصة‪ ،‬وقد صدر‬
     ‫والنضال السياسي والجهل والتخلف والحب‬          ‫الكاتب أقصوصة «نواح» بقول لبلهوان حمدي «ما‬
‫والثورة والكبت أهم ما طرحه الكاتب في مجموعته‬         ‫أصغر القصة ما أكبر الفكرة» ليؤكد على أن هذا‬
  ‫محك ًما توظيف الشعري والأسطوري بما يحقق‬             ‫التجاور والتحاور بين الأجناس ليس تر ًفا فنيًّا‬
   ‫جمالية التلقي وعمق القراءة من ناحية‪ ،‬ويعري‬      ‫ولا مجرد تزيين أو ترصيع‪ ،‬بل هو تداخل وظيفي‬
                                                       ‫يمنح النص السردي ممكنات التعبير والتأثير‬
         ‫الواقع بمختلف أبعاده من ناحية أخرى‪.‬‬
   41   42   43   44   45   46   47   48   49   50   51