Page 45 - merit
P. 45
43 إبداع ومبدعون
رؤى نقدية
علي الدميني سعيد السريحي الخرافة والحكاية الشعبية إلى أسطورة وقد أصبح
الحدث العارض فيها اعتقا ًدا راس ًخا أو إيما ًنا
أبو زيد الهلالي الذي حمل على عاتقه مهمة البحث
عن أرض جديدة لبني هلال بعد أن ضرب القحط مقد ًسا وتحول مشغلها عن الخوارق والعجائبي
والغرائبي واليومي الدنيوي إلى معالجة
أرضهم .فوقع اختياره على تونس الخضراء
لتكون وطنًا بدي ًل وهو ما أقحمه في صراع مع موضوعات الحياة الكبرى وقضايا الإنسان
الزناتي خليفة حاكم تونس الجائر ،ويعتبر هذا المصيرية.
الصراع هو الجزء الأهم والأبرز في سيرة أبي
زيد الهلالي .وقد أحكم الأزهر الصحراوي توظيف وللأسطورة علاقة وشيجة بالذاكرة الجماعية
الأسطورة ورمو ِزها ليعبر عن واقع محلي تونسي تنهل منها تراك ًما وتوال ًدا وتوار ًثا .وقد اعتبر
متأزم يسوده الظلم والاستبداد وعن واقع عربي كثير من النقاد أن توظيف الأسطورة في الأدب
مأزوم تستمر فيه قافلة الضياع باحثة عن وطن وإن كان من مظاهر التحديث والتجريب ،فإنه
مفقود وحلم منشود ونشوة مستعصية ووجود يقتضي ممن اختار اقتباسها ومن بينهم كتاب
يثقل حين يهم أن يكون وقد اُغت ِصبت الحري ُة القصة القصيرة التحلي بالحيطة والحذر «لأن
والكرام ُة في تونس وفي فلسطين ،فإذا بالواقع الأسطورة والحكاية الشعبية والخرافة في بناءاتها،
يكرر مأساة التاريخ في مشهد تراجيدي يسلب ومضامينها ،وأحداثها هي قصة ،واعتماد القصة
«عائدة» أرضها و ِعرضها والجماع ُة ذاهلون عن على قصة شيء يختلف عن الشعر لأن الرمزي
الوجود حالمون بالخلاص ومستسلمون للجهل الشعري يعتمد على الصورة في بناء الرمز ،ولكنه
في القصة يعتمد على أنماط سلوك الشخصية أو
والخرافة يغذون بها الآمال ويسترون عورة
العجز وضعف الحيلة. مكان الحدث وموجوداته»(.)5
فالقصة القصيرة استفادت من مادة الأسطورة
كما حضرت في المجموعة حكاية الغراب وسيدنا
سليمان ،خرافة سمعناها منذ صبانا عن ذنب في تشكيل الحكي وفي الإيحاء بأبعاد الحكاية.
اقترفه الغراب «لما فعلها ابن الكلب ،ولم يؤد فكان حضور الأسطورة في المتن القصصي في
مجموعة «أضاعوني» مظه ًرا من مظاهر التجريب
من ناحية ،ووسيلة من وسائل تكثيف الرمز من
ناحية أخرى .وتجلى هذا التوظيف بالخصوص
في حضور أسطورة أبي زيد الهلالي في أقصوصة
«خريف الهلاليين» ،فيستلهم الكاتب الأسطورة
ليؤصل القصة
في فضاء محلي،
وليشحنها
بأبعاد ودلالات
تعمق المعنى
وتكثف
طاقة التعبير
والتأويل.
فأحداث
الأسطورة
تعود إلى
القرن الخامس
الهجري وبطلها