Page 54 - merit
P. 54

‫العـدد ‪44‬‬  ‫‪52‬‬

                                                       ‫أغسطس ‪٢٠٢2‬‬

    ‫بالذات كأشياء الجاذبية والمتعة واللذة والإغراء‬            ‫عبر تضاريس وهضاب ومنحدرات وسهول‬
‫الجنسي (العطور والشمبوان والنهديات‪ ،)..‬وخلال‬              ‫جسدها‪ ،‬نظ ًرا لخصوصية النسق الثقافي المغربي‬
 ‫هذه الوضعية تبرز الذات النسائية الأجنبية بشكل‬            ‫القائم على المحافظة والحشمة‪ ،‬فقد انقلب السحر‬
  ‫مخالف لما هي عليه الذات المحلية‪ ،‬سواء في طريقة‬
‫ارتداء اللباس والحركات والسكنات والمكياج ونبرة‬              ‫على الساحر وتحولت الرغبة في تحرير الجسد‬
‫الصوت‪« ،‬وقد كشفت الوصلات الوافدة من الخارج‬                 ‫من كل أشكال التابوهات التي كانت تسيجه إلى‬
 ‫عن الكثير من المفارقات الغريبة في ميدان التواصل‬           ‫مأزق‪ ،‬بعد أن تحول هذا الجسد إلى السيد الذي‬
                                                        ‫يقف عند السقف الوجودي للأفراد‪ ،‬باعتباره أصل‬
   ‫الإشهاري‪ ،‬لعل أولاها وأهمها التفاوتات المرعبة‬           ‫الوجود كله‪ ،‬وكذا الكينونة البانية للذات‪ ،‬فكانت‬
    ‫بين «الوضعيات الموصوفة في هذه الوصلات»‪،‬‬              ‫هذه الصورة ‪-‬مع الأسف‪ -‬هي القناة الإشهارية‬
                                                           ‫الأولى‪ ،‬لكل البضاعة العالمية‪ ،‬من السيارة حتى‬
       ‫ديكو ًرا ولبا ًسا ووجو ًها‪ ،‬وبين الواقع الفعلي‬      ‫الحذاء‪ ،‬ولم تعد صورة المرأة في الواقع النفسي‬
    ‫لحشود المستهلكين الذين تتوجه إليهم»(‪ ،)6‬فإذا‬          ‫التجاري العالمي تتجاوز معنى مومياء البلاستيك‬
  ‫أخذنا على سبيل المثال اللباس‪ ،‬فإننا نجد المرأة في‬     ‫المعدة لعرض الأزياء على قارعة الطريق‪ ،‬إذ أفرغت‬
   ‫الإشهار الذي يكرس الذات المحلية لغايات نفعية‬          ‫المرأة من قيمتها الأنثوية‪ ،‬لصالح الادخار والربح‬
                                                           ‫ذي الطبيعة الرأسمالية المتوحشة‪ ،‬التي تضحي‬
                ‫وعملية‪ ،‬ترتدي ملابس فضفاضة‬
                    ‫وغير مثيرة من خلال ألوانها‬               ‫بكل شيء الدين‪ :‬والأخلاق والأعراض والقيم‬
                          ‫وشكلها‪ ،‬يتوارى معها‬           ‫الإنسانية جملة؛ من أجل الوصول إلى غاية واحدة‬
                          ‫كل ما يحيل إلى الإغراء‬         ‫هي الربح‪ ،‬إلا أننا نعيش تحت سقف ثقافي يحدد‬
                         ‫واللذة‪ ،‬بينما في النموذج‬         ‫أدق أفعالنا التي لا نعيها‪ ،‬لذلك يعمد الإشهار إلى‬
                          ‫الثاني الذي تحضر فيه‬         ‫تمرير أنساق مضمرة ومسكوكات لا تدركها العين‪،‬‬
                          ‫الذات النسائية الغربية‪،‬‬       ‫ومع ذلك يلتقطها الدماغ‪ ،‬فهو يغيِّب أدوات الرقابة‬
                            ‫نجدها ترتدي لبا ًسا‪،‬‬         ‫العقلية لدى المتلقي‪ ،‬لتصبح بذلك صور نمطية في‬
                           ‫أو شبه لباس إن صح‬            ‫البنية المجتمعية‪ .‬فجسد المرأة خ َّزان لطاقة تعبيرية‬
                                                       ‫هائلة‪ ،‬وعليه فإن التمثيل البصري‪ ،‬سواء في الحالة‬
                                                        ‫التي تظهر فيها المرأة وهي تلبي حاجات الضرورة‬
                                                         ‫(الغسيل‪ ،‬التنظيف‪ ،‬الطبخ)‪ ،‬أو أنها تشبع حاجات‬
                                                        ‫الإنسان الغريزية (اللذة‪ ،‬الرغبة‪ ،‬المتعة)‪ ،‬يعمل على‬

                                                            ‫استنفار طاقات انفعالية وإثارة حالات إنسانية‬
                                                       ‫حياتية‪ ،‬فحضور الجسد الأنثوي في هذه الوصلات‪،‬‬

                                                            ‫تارة يحيل إلى الاستهلاك اليومي المباشر بكل‬
                                                             ‫مقتضياته‪ ،‬أي كل ما يستجيب للحاجات التي‬
                                                           ‫تتطلبها الضرورة الحياتية وإرغاماتها‪ :‬الغسيل‬
                                                          ‫والأكل والتنظيف وخرق الأطفال‪ ،‬وفي هذا المقام‬
                                                          ‫بالذات تحضر الذات النسائية المحلية‪ ،‬باعتبارها‬
                                                        ‫أداة ناجعة لدعم وتعزيز الغاية الإشهارية‪ ،‬تختفي‬
                                                            ‫وتتوارى بموجبه مؤشرات التعبيرية الجسدية‬
                                                       ‫الإيروسية‪ ،‬لصالح الإحالة على المنتوج والبرهنة على‬
                                                         ‫فاعليته وإبراز صلاحيته‪ ،‬وأحيا ًنا نجد أن التمثيل‬
                                                       ‫البصري يحيل إلى معطيات غرائزية عاطفية تحتفي‬
   49   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59