Page 55 - merit agust 2022
P. 55

‫‪53‬‬  ‫إبداع ومبدعون‬

    ‫رؤى نقدية‬

  ‫وإنما تعرض مناطق من جغرافية جسدها‪ ،‬تشكل‬                 ‫التعبير‪ ،‬يكشف عن مواطن الإثارة لدى هذه المرأة‬
    ‫بؤ ًرا للإغراء والاشتهاء ومستود ًعا للذة والمتعة‬      ‫ويعرض تضاريس ذلك الجسد‪ ،‬وبالتالي فإن هذه‬
                                                        ‫المرأة الوافدة (الأجنبية) لا تحكي شيئًا عن المنتوج‪،‬‬
‫كذلك‪ ،‬وهكذا يكون الجسد هو الممر الضروري نحو‬
    ‫استجلاء حالات العرض والتداول‪ .‬فعبر المرئي‬               ‫ولكنها تحكي قص ًصا شتَّى عن الجسد الحامل‬
                                                             ‫للمنتوج‪ ،‬وبالتالي فالسؤال المطروح هاهنا‪ :‬هل‬
 ‫والظاهر‪ ،‬أي عبر الجسد العارض‪ ،‬يأتي المعروض‬              ‫الإشهاري يوظف الجسد الأنثوي لإشهار المنتوج‪،‬‬
‫إلى المتلقي ممزو ًجا بحالات يسكنها المتخيل والثقافي‬     ‫أم أنه يقوم بإشهار الجسد؟ إن الأمر يعود في نهاية‬
                                                        ‫المطاف إلى الرغبة في التخلص من مقتضيات الأبعاد‬
     ‫والإجتماعي وكل ما يخبر عن وضع حضاري‬                    ‫الوظيفية والغايات العملية المسبقة لتحقيق فعل‬
    ‫ما‪ ،‬فالجسد عبر حالات تقطيعاته وتفككه ينتج‬             ‫الرغبة في أعلى مستوياته‪ ،‬وعليه فإن هذا الجسد‪،‬‬
    ‫شك ًل غريز ًّيا وثقافيًّا تبلوره تلك الأجزاء‪ ،‬لذلك‬      ‫لا يعدو أن يكون موضو ًعا إيروتيكيًّا‪ ،‬أي منب ًعا‬
‫فحتى أجزاء الجسد ليس لها نفس الوظيفة الدلالية‬               ‫للاستهامات الجنسية ومثي ًرا للرغبات الجنسية‬
     ‫والتداولية‪ ،‬فكل منطقة وكل عضو من الجسد‬
‫يحيل إلى استعمال معين‪ ،‬فالرأس مرتبط في أذهاننا‬                                                ‫الغريزية‪.‬‬
    ‫بالعقل‪ ،‬والقلب مرتبط بالعاطفة والحنان‪ ،‬أما ما‬            ‫فالإشهار يصف الجسد الأنثوي وص ًفا مثاليًّا‬
‫تبقى فهو مزيج من الأفعال يرتبط بعضها بالتغذية‪،‬‬           ‫نموذجيًّا ترتئيه ثقافة المستهلك‪ ،‬فلا شيء في جسد‬
‫والبعض الآخر يشير مباشرة إلى العوالم الجنسية‪،‬‬           ‫المرأة ُيترك دون أن يصبح مادة تصوير وموضوع‬
      ‫وهنا مربط الفرس‪ ،‬بحيث إن أغلب الوصلات‬              ‫خطاب جنسي‪[ ،‬أعينها‪ ،‬أظافر يدها‪ ،‬شكل شعرها‪،‬‬
 ‫الإشهارية تومئ إلى العوالم الجنسية عبر توظيفها‬               ‫درجة احمرار شفتيها‪ ،‬جمالية ساقيها‪ ،‬بروز‬
   ‫لنتوءات ذلك الجسد‪ ،‬وتجدر الإشارة إلى أن كل‬             ‫نهديها]‪ ،‬إضافة إلى أنواع الثياب الملائمة لها‪ ،‬فكل‬
   ‫عضو تتحدد أبعاده من خلال استعمالاته‪ ،‬إذ إن‬              ‫هذه الأجزاء هي فيتشية تستنفر طاقات انفعالية‬
                                                          ‫لدى المستهلك‪ ،‬لذلك وكما سبقت الإشارة إلى ذلك‬
                                                            ‫فإن الخطاب الإشهاري يرضي رغبات الإنسان‬
                                                            ‫المتلقي‪ ،‬لا على المستوى الاجتماعي فقط‪ ،‬بل على‬
                                                         ‫مستوى اللذة الخيالية الأسطورية‪ ،‬وبطبيعة الحال‬
                                                         ‫تلعب المثيرات البصرية‪ :‬الألوان‪ ،‬الإنارة والرشاقة‬
                                                            ‫والديكور‪ ..‬دو ًرا فاع ًل في تحريك وجدان الفرد‬
                                                            ‫وشعوره المرهف‪ ،‬فالجمال الجسدي يصور من‬
                                                         ‫خلال أجزاء جسمها وتنويعاته‪ ،‬فكما هو معلوم أن‬
                                                         ‫الحضور الجسدي في الإرساليات الإشهارية يكون‬
                                                           ‫حضو ًرا كليًّا يتخلله الحضور الجزئي (جزئيات‬
                                                              ‫الجسد)‪ ،‬كالعينين‪ ،‬اليدين‪ ،‬الوجه‪ ،‬الشفتين‪،..‬‬
                                                          ‫فإذا أخذنا على سبيل المثال امرأة وهي تتلذذ بأكل‬
                                                             ‫الياغورت بواسطة ملعقة‪ ،‬ولا يظهر في صورة‬
                                                            ‫الإشهار سوى الشفاه وحركتها‪ ،‬والملعقة‪ ،‬فهذه‬
                                                        ‫الصورة توظف جز ًءا من الجسد والمتمثل –أسا ًسا‪-‬‬
                                                         ‫في الشفاه‪ ،‬لأن الأصل في الصورة ليس الياغورت‪،‬‬
                                                        ‫بل اللذات والمتعة التي تثيرها الشفاه عند المستهلك‪،‬‬
                                                            ‫فهذه المرأة لا تملك من البضاعة سوى جسدها‪،‬‬
                                                         ‫لذلك فهي امرأة لا تقدم منتو ًجا للعرض والتداول‪،‬‬
   50   51   52   53   54   55   56   57   58   59   60