Page 30 - مجلة التنوير - ج 1 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 30

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                     ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫التصورين الجمهورى والليب ارلى إلى علاقة محددة بين‬                                                       ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫المجتمع السياسى والفرد‪ .‬فالجمهوريون يشددون مع‬
‫ذلك على الشأن العام – بحسب التعبير اللاتيني‬                   ‫فى أن تحدد نوعية مواطنيها ونطاق الحقوق الممنوحة‬
‫‪ – ResPublica‬وأهمية المشاركة فى المجتمع‬                       ‫لهم‪ .‬وفى هذه الحالة قد تضيق المواطنة بحيث تصبح‬
‫السياسى‪ .‬ومن ثم تصبح أسبقية الشأن السياسى‬                     ‫مقصورة على فئات بعينها وقد تتسع لتستوعب كل‬
‫على الشأن الخاص ضرورية هنا‪ ،‬والحياة الجيدة‬                    ‫الفئات الخاضعين لسيادة الدولة‪ .‬وبقدر ما تمنح بلد‬
‫تبدو ممكنة فقط خلال المشاركة الفعالة النشطة فى‬                ‫ما المواطنة لبعض الأشخاص يمكن لهذا البلد أن‬
‫المجال العام‪ .‬أما الليب ارليون – على الجانب الآخر‬             ‫يحرم الشخص من المواطنة بموجب قواعد تحددها‬
‫– فإنهم يؤكدون على الحقوق المخولة للفرد بموجب‬                 ‫المؤسسات السياسية والتشريعية‪ .‬كما أن الربط بين‬
‫مكانته القانونية كمواطن‪ .‬فى هذا التصور يتم اخت از ُل‬          ‫السيادة والهوية قد يتسبب فى وجود خلاف سياسى‬
‫معنى سياسات المواطنة إلى المشاركة الطوعية مثل‬                 ‫بين الدولة وبعض السكان الذين يستمدون هويتهم‬
‫الحقوق الانتخابية غير المفعلة والحياة الجيدة التى‬             ‫من مرجعيات ثقافية أو دينية أو عرقية تختلف عن‬
‫تبدو مرتبطة تما ًما بالمجال الخاص(‪ ،)51‬وإذا تأملنا‬
‫جيًدا الفجوة بين التصو ارت الليب ارلية والتصو ارت‬               ‫المرجعية الرسمية للانتماء والولاء للدولة الوطنية‪.‬‬
‫الجمهورية بشأن المواطنة فسوف يتضح لنا أن معنى‬
‫المواطنة يقع على متصل وأن العديَد من وجهات‬                                                      ‫‪2.2‬الاتجاهات‬
‫نظر الباحثين ما هى إلا مواق ُف متباينة تقع فى نقاط‬            ‫هناك اتجاهان كلاسيكيان فى فهم المواطنة‪:‬‬
‫ما مختلفة فى المنتصف‪ ،‬بما يعنى أن الاختلاف بين‬                ‫المواطنة بالمفهوم الجمهورى‪ republican‬والمواطنة‬
‫الليب ارلية والجمهورية ليس واض ًحا‪ .‬فكلا المعسك ارن قد‬        ‫بالمعنى الليب ارلى(‪)31‬؛ حيث يميز المفهوم الجمهورى‬
‫يستخدم مصطلحات ومبادئ الآخر(‪ .)61‬ومن ثم لم‬                    ‫المواطنين عن العبيد (الذين لا حقوق لهم على‬
‫يعد مجدًيا لدى التفكير الحديث فى المواطنة الاكت ارث‬           ‫الإطلاق) وعن الغرباء (الذين يعيشون تحت طائلة‬
                                                              ‫القانون وينشدون حقوًقا اقتصادية دون التمتع بأى‬
                 ‫بالاختلاف بين هذين الاتجاهين‪.‬‬                ‫حقوق سياسية)‪ .‬وفى مقابل ذلك‪ ،‬فإن التصور‬
                                                              ‫الليب ارلى يعرف المواطنة على أنها مكانة تُمنح لأولئك‬
‫ومن المنظور التاريخى يلاحظ أن التطور عبر الزمن‬                ‫الذين لديهم عضوية كاملة فى المجتمع‪ ،‬على اعتبار‬
‫يبدأ من التصور الجمهورى المفعل ‪ active‬للمواطنة‬                ‫أن كل الذين يحظون بالمكانة متساوون فى الحقوق‬
‫وصولاً إلى الاتجاه نحو الفهم الليب ارلى للمواطنة‬              ‫والوجبات التى تتيحها المكانة‪ .‬وبهذا المعنى فإن‬
‫غير المفعل ‪ .passive‬هذا التحول من المواطنة‬                    ‫المفهوم الجمهورى ينظر للمواطنة كنشاط مرغوب؛‬
‫التشاركية محدودة النطاق إلى اتجاه المواطنة‬                    ‫حيث تمثل مواطنة الشخص فى مداها ونوعيتها‬
‫العمومية القائمة على الحقوق هو فى الغالب مرتبط‬                ‫بمثابة الوظيفة المرتبطة بمشاركته فى المجتمع‪ .‬وفى‬
‫بالثورة الفرنسية(‪ ،)71‬ويشير هيتر ‪ Heater‬إلى أن‬                ‫المقابل يعبر المفهوم الليب ارلى للمواطنة عن كونها‬
‫المواطنة بمعناها الحديث كانت محصلة تطور‬                       ‫مكانة قانونية تتمثل فى العضوية الكاملة فى مجتمع‬

                                                          ‫‪30‬‬                                 ‫سياسى محدد(‪.)41‬‬

                                                              ‫ورغم هذا التباين فإن المواطنة تشير فى كلا‬
   25   26   27   28   29   30   31   32   33   34   35