Page 27 - التنوير
P. 27

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫الجدل المعاصر حولها‪ ،‬فسوف يعتمد هذا البحث‬                                            ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫على الم ارجع الأجنبية الحديثة بصفة أساسية‪ .‬وعلى‬
‫ضوء ذلك نعرض فيما يلى لهذه الملحمة حول‬                        ‫الوعى بضروة الاعت ارف بأنواع جديدة من المواطنة‬
‫المواطنة بد ًءا بتعريف المواطنة بأبعادها المختلفة‪،‬‬
‫وصولاً إلى أنماط المواطنة من واقع عرض إطار‬                    ‫القائمة على التعددية وليس المواطنة كشعور ومكانة‬
‫نظرى يتضمن أهم القضايا والإشكاليات المثارة في‬
                                                              ‫منفردة بين فرد ودولة‪ .‬كل ذلك يدعو إلى ضرورة‬
                 ‫العلوم الاجتماعية حول المواطنة‪:‬‬
                                                              ‫أن يعكس مفهوم المواطنة مدى تعقد تلك التغي ارت‬
                             ‫‪1.1‬تعريف المواطنة‬
‫تمثل المواطنة ‪ – citizenship‬فى أبسط معانيها‬                   ‫المحلية والعالمية(‪ ،)3‬وتأثيرها على أبعاد العلاقة‬
‫– ك َّل ما له علاقة بالمواطن الذى يتمتع بعضوية‬
‫كاملة فى بلد ما‪ .‬وللمواطنين حقو ٌق تمنحها السلطة‬              ‫المعقدة والمتغيرة بين المواطن والدولة‪.‬‬
‫السائدة فى كل بلد لمواطنيها ويضمنها القانون‪ .‬وفى‬
‫مقابل تلك الحقوق هناك واجبات على المواطنين نحو‬                ‫ومن الواضح أن الجد َل الأكاديمى والسياسى عن‬
‫بلدهم‪ .‬فالمواطنة هي مبدأ تنظيمي مهم فى الحياة‬                 ‫العولمة فى الماضي وفى الحاضر ‪ ،‬وفى مختلف‬
‫السياسية لأنه ينسب الأف ارد لكيان سياسى معين‪،‬‬                 ‫السياقات الاجتماعية والسياسية والثقافية يعكس إلى‬
‫وبموجب ذلك يتحدد لأولئك الذين يكتسبون صفة‬                     ‫حد كبير قصة فلسفة العقد الاجتماعي والتى تفترض‬
                                                              ‫تخلي البشر طواعية عن قدر من حقوقهم مقابل وجود‬
  ‫مواطنين حقوًقا وواجبا ٍت محددة على قدم المساوة‪.‬‬             ‫سلطة ما تعمل من أجلهم‪ .‬وبغض النظر عما إذا‬
‫يشير مصطلح المواطنة فى النظرية السياسية‬                       ‫كانت تلك السلطة مصدر سعادة البشر أو تعاستهم‬
‫والقانونية إلى حقوق وواجبات الفرد المنتمى إلى‬                 ‫‪ ،‬إلا أن التاريخ الإنساني فى كل مكان يشهد على‬
‫الدولة الوطنية القومية أو دولة المدينة ‪state -city‬‬            ‫أن الحديث عن المواطنة هو ملحمة بكل ما تحمله‬
‫التى كانت سائدة فى الماضى قبل وجود الدولة‬                     ‫الكلمة من معنى؛ ملحمة تحكى ذلك السجا َل بين مبدأ‬
‫بمعناها الحديث‪ .‬كان المواطن – فى بعض الفت ارت‬                 ‫منح الصكوك الوطنية المقيد بحدود الدولة الوطنية‬
‫التاريخية – يعد عضًوا فى مدينة ‪ ،‬أى فى مجتمع‬                  ‫من ناحية‪ ،‬ومبادئ الحقوق الإنسانية التى تتسع إلى‬
‫حضرى يتسم باستقلال نسبى عن مساءلة الحاكم أو‬                   ‫آفاق عولمي ٍة من ناحية أخرى‪ .‬هنا تتعدد معانى‬
‫الدولة‪ .‬وكانت المواطنة قاصرة – فى اليونان خلال‬                ‫المواطنة وتتنوع أشكالها والدعاوى لها وتتجاذبها‬
‫العصر الكلاسيكى – على الرجال الأح ارر الذين‬                   ‫اتجاهات كثيرة‪ .‬وكلها يعكس مواقف متباينة من‬
‫يتمتعون بحق المشاركة فى المداولات والمناقشات‬                  ‫المواطنة تمتد من أقصى درجات احتكار السلطة‬
‫السياسية دون غيرهم من العبيد والتجار والحرفيين‬                ‫للمواطنة إلى أقصى درجات التطرف فى توسيع حيز‬
‫والغرباء‪ .‬ويشير مصطلح المواطنة فى العصر‬                       ‫الحقوق الإنسانية‪ .‬إنها قصة النضال من أجل تحقيق‬
‫الحديث إلى المؤسسات والهيئات التى تنظم الحقوق‬                 ‫العدالة الاجتماعية بد ًءا من مقتضيات وجود السلطة‬
                                                              ‫فى الحياة الانسانية‪ ،‬بما قد ينال من حقوق البشر‬
                                                          ‫‪27‬‬  ‫وحريتهم ‪ ،‬وصولاً إلى إطلاق حق البشر فى الحياة‬

                                                                                              ‫الجيدة بلا حدود‪.‬‬

                                                              ‫ولما كانت الكتابات العربية حول المواطنة قاصرة‬
                                                              ‫عن الإحاطة الشاملة بإشكالية المواطنة‪ ،‬خاصة فى‬
   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31   32