Page 32 - التنوير
P. 32

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫ولضمان تحقيق العدالة الكاملة – عبر مجموعة‬                                            ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫متعددة من الحقوق – فقد لجأ الفكر السياسى فى كثير‬
‫من الدول الغربية إلى ما يعرف بالمواطنة العمومية‬               ‫يعود الفضل إلى عالم الاجتماع البريطانى توماس‬
‫‪ universal citizenship‬التى تنص على ضروة‬
‫منح حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية متساوية‬                   ‫مارشال الذى كان من أوائل الذين حاولوا تحديد هذه‬
‫لكل المواطنين‪ .‬وبهذا المعنى تصبح المواطنة لكل‬
‫شخص‪ ،‬وكل شخص فى المقابل له نفس حقوق‬                           ‫الحقوق وتصنيف أنماط المواطنة بمقتضاها من واقع‬
‫المواطن‪ .‬فالحقوق المتساوية تعنى كونها حقوًقا عامة‬
‫لا مجال فيها للاستثناء أو الاختلاف فى طبيعة‬                   ‫ق ارءته التاريخية لتطور مفهوم المواطنة والحقوق‬
‫وحجم تلك الحقوق‪ ،‬بحيث تبدو عمومية الحقوق‬
‫فى وجود مقياس واحد للعدل يطبق على الجميع‪.‬‬                     ‫المرتبطة بها‪ ،‬كانت فكرة مارشال تتلخص فى ارتباط‬
‫وبذلك تتجاوز المواطنة العمومية الفروق القائمة بين‬
‫الناس‪ ،‬فلكل شخص حقوق فى المواطنة يتمتع بها‪،‬‬                   ‫المواطنة عبر التاريخ بالص ارعات الطبقية والتوت ارت‬
‫بغض النظر عن أى تفاوت فى الدخل أو القوة‪ .‬ومن‬
‫الواضح أن توسيع مظلة المواطنة كى تستوعب كل‬                    ‫والحروب من أجل تحقيق المساواة فى الحقوق‪ .‬وأشار‬
‫شخص‪ ،‬يعنى وجود قواسم مشتركة تفرض حقوًقا‬
‫مشتركة تتجاوز الاختلافات من ناحية‪ ،‬والإحساس‬                   ‫مارشال فى هذا الصدد إلى أن النضال من أجل‬
‫بأهمية تطبيق القانون فى أن يحصل الجميع على‬
‫حقوقهم بنفس الطريقة وبغض النظر عن الاختلافات‬                  ‫الحصول على المواطنة مر بثلاث م ارحل أساسية‪:‬‬
‫الفردية والجماعية من ناحية أخرى(‪ .)22‬وقد سيطرت‬
‫على فلسفة المواطنة العمومية فكرة أن العدل مرتبط‬               ‫مدنية وسياسية واجتماعية؛ حيث ظهرت المواطنة‬
‫بعمومية الحقوق وأن أى اختلاف فى توزيع الحقوق‬
‫لا يحقق العدل وينال من مصداقية الحكومات فى‬                    ‫المدنية‪ civic citizenship‬فى المرحلة الأولى خلال‬

                          ‫تحقيق المواطنة العادلة‪.‬‬             ‫القرن الثامن عشر متضمنة الحقوق الضرورية للفرد‬

‫وقد انعكست عمومية المواطنة على أربع صور‬                       ‫مثل‪ :‬حرية الفرد‪ ،‬وحرية التعبير والفكر والاعتقاد‪،‬‬
‫للحقوق كل منها يشكل نم ًطا للمواطنة قائ ًما بذاته‬
‫وهى‪ :‬الحقوق السياسية والقانونية فيما يعرف بالمواطنة‬           ‫وحق الملكية الخاصة‪ ،‬والحق فى العدل‪ .‬وفى المرحلة‬
‫السياسية‪ ،‬والحقوق الاقتصادية فيما يعرف بالمواطنة‬
‫الاقتصادية‪ ،‬والحقوق الاجتماعية المرتبطة بالمواطنة‬             ‫الثانية ظهرت المواطنة السياسية فى القرن التاسع‬
‫الاجتماعية‪ ،‬والحقوق الثقافية التى أصبحت تفرض‬
                                                              ‫عشر وشملت حق الفرد فى المشاركة فى ممارسة‬
                                                          ‫‪32‬‬
                                                              ‫القوة السياسية كعضو فى كيان سياسى وكناخب‪ ،‬وفى‬

                                                              ‫المرحلة الثالثة تطورت المواطنة الاجتماعية خلال القرن‬

                                                              ‫العشرين لتشمل الحق فى قدر من الرفاه الاقتصادى‬

                                                              ‫وتأمين حق المشاركة الكاملة فى الإرث الاجتماعى‬

                                                              ‫والعيش فى حياة متحضرة وفًقا للمعايير السائدة فى‬
                                                              ‫المجتمع والتى تماثل حالًيا دولة الرفاه والديمق ارطية‬
                                                              ‫الاجتماعية(‪ .)12‬وفًقا لهذا التصور أصحبت المواطنة‬
                                                              ‫تقوم على ثلاثة أنماط أساسية وهى‪ :‬المواطنة المدنية‬

                                                              ‫والمواطنة السياسية والمواطنة الاجتماعية‪ .‬وظل هذا‬

                                                              ‫التصنيف الكلاسيكى قائ ًما ومسيطًار بقوة على كثير‬
                                                              ‫من الد ارسات والأبحاث وكذلك السياسات الداعمة‬

                                                              ‫لتحقيق المواطنة التى تتبناها الأح ازب والقوى السياسية‬

                                                              ‫وصناع الق ارر فى كثير من دول العالم التى تتبنى‬

                                                              ‫النهج الديمق ارطى بصورة أو بأخرى‪.‬‬
   27   28   29   30   31   32   33   34   35   36   37