Page 43 - التنوير
P. 43

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                   ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫ومن ثم فهم أي ًضا متجانسون فى حقوقهم بمقتضى‬                                          ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫هويتهم الواحدة وانتمائهم الواحد لمجتمع سياسى‬
‫محدد‪ .‬لم يأخذ التصور العمومى للمواطنة فى اعتباره‬              ‫من الواضح أن عمليات التوسط ذات الطابع‬
‫أهمية الفروق بين الأف ارد والهويات المختلفة التى‬
‫ليست بالضروة موحدة وإنما هى متباينة اجتماعًّيا‬                ‫الديمق ارطى بين الدولة والمواطنين قد تفشل فى‬
‫وثقافًّيا‪ .‬وينطوى مفهوم الحقوق فى التصور العمومى‬
‫للمواطنة على طابع فردى نابع من أهمية استقلالية‬                ‫تحقيق الديمق ارطية لأسباب متعددة أبرزها ضعف‬
‫الفرد دون الأخذ بعين الاعتبار البعد الاجتماعى‬
‫فى المواطنة(‪ .)95‬مما يعنى أن تركيز المواطنة على‬               ‫المنظمات والحركات الوسيطة على اجتذاب قطاعات‬
‫حقوق المواطن الفرد يصاحبه إنكاٌر لحقوق الجماعة‪.‬‬
‫كما أن عدم الأخذ بعين الاعتبار التباينات الثقافية‬             ‫عريضة من المواطنين‪ ،‬والتأثير السلبي للممارسات‬
‫والاجتماعية المرتبطة بالانتماءات والخصائص‬
‫الدينية والعرقية والنوعية يكشف بجلاء عن قدر من‬                ‫التقليدية السابقة على التمثيل الديمق ارطى من واقع‬
‫عدم العدالة فى توزيع الحقوق بين مختلف الجماعات‪.‬‬
                                                              ‫دور القيادات التقليدية والقبلية والدينية‪ ،‬واستبعاد‬
‫هذا يعنى أن المواطنة العمومية بقدر ما تعطى وتمنح‪،‬‬
‫فإنها أي ًضا يمكن أن تضن وتمنع‪ .‬وفى هذا الصدد‬                 ‫الأقليات‪ ،‬وعدم وجود صيغة عقد اجتماعى مشترك‬
‫ينظر للمواطنة باعتبارها فعلاً للانغلاق على جماعة‬
‫من الناس يطلق عليهم مواطنين مقابل كونها فعلاً‬                 ‫بين الأغلبية والأقلية‪ ،‬والاستبعاد السياسى للفق ارء‬
‫لتهميش فئات أخرى يتم استبعادهم من المواطنة(‪.)06‬‬
‫ومن ثم فإن أغلب الاتجاهات النقدية ترى أن المواطنة‬             ‫غير القادرين على العيش(‪ ،)75‬يضاف إلى ذلك تدخ ُل‬
‫الحديثة أصبحت ذات وجهين متعارضين فى ذات‬                       ‫الدولة فى تشكيل الأط ارف الوسيطة داخل كيانات‬
‫الوقت‪ :‬الأول يعبر عن ممارسات إدماجية أو احتوائية‬
‫‪ inclusionary‬لفئات يقال عنهم مواطنين‪ ،‬والوجه‬                  ‫ديمق ارطية شكلية مثل الأح ازب الهشة‪ ،‬والاتحادات‬
‫الثانى يعبر عن ممارسات استبعادي ة �‪exclusion‬‬
‫‪ )16(ary‬لفئات يحرمون من حقوق المواطنة بموجب‬                   ‫العمالية والنقابات المهنية المنعزلة عن الفئات التى‬
‫كونهم ليسو فى منزلة المواطنين‪ .‬وقد حدد هوفمان‬
‫‪ Hoffman‬أربع فئات تعانى استبعاًدا من المواطنة‬                 ‫تمثلها‪ .‬وكل ذلك يوضح أن فاعلية الوساطة فى‬
‫وهم‪ :‬الذين يعانون من الوصمة الاجتماعية كالفق ارء‬
‫والمثليين والجماعات العرقية الموصومة اجتماعًّيا‬               ‫التمثيل السياسى الديمق ارطى تظل محدودة فيما يتعلق‬
‫بأوصاف سلبية‪ ،‬ممن لايستطيعون الحصول على‬
                                                              ‫بالمؤسسات الرسمية والفاعلين المصرح لهم رسمًّيا‬
                                                          ‫‪43‬‬
                                                                                     ‫بالتوسط(‪.)85‬‬

                                                              ‫‪1-1-4‬الإدماج والاستبعاد فى الحقوق‬

                                                              ‫تعرض مفهوُم المواطنة العمومية إلى انتقادات شديدة‬
                                                              ‫على اعتبار كونه يساهم فى تعزيز سياسات استبعادية‬
                                                              ‫لبعض المواطنين‪ ،‬وفى ذات الوقت يغض الطرف‬
                                                              ‫عن إد ارك التباين فى الحقوق والاختلافات النوعية‬
                                                              ‫والثقافية والعرقية والدينية‪ .‬ذلك أن العمومية الشديدة‬
                                                              ‫فى تعريف المواطن بوصفه عضًوا فى مجتمع سياسى‬
                                                              ‫له حقوق وعليه واجبات يضع جميع الأف ارد بمختلف‬
                                                              ‫فئاتهم وانتماءاتهم فى سلة واحدة دون تحديد دقيق‪.‬‬
                                                              ‫كما أن التعريف الفضفاض لجميع المواطنين ككتلة‬
                                                              ‫واحدة ينطلق من تصور نابع من التفكير الجمهورى‬
                                                              ‫بأن هؤلاء المواطنين هم أف ارد متجانسون فى هويتهم‪،‬‬
   38   39   40   41   42   43   44   45   46   47   48