Page 52 - التنوير
P. 52

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬                  ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫فر ًصا فى إعادة تصور كيفية انتمائها للدولة(‪.)101‬‬                                     ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫ويعد تيرنر من أكثر المتشككين فى أطروحة ضعف‬
‫الدولة‪ ،‬معتبًار أن المواطنة خارج حدود الدولة الوطنية‬          ‫لقد ساهمت آليات العولمية والتكامل الأوربى فى إثارة‬
‫خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين الحقوق والواجبات لا‬
                                                              ‫فكرة المواطنة ما بعد القومي ة �‪post-national citi‬‬
         ‫معنى لها وهى محض خيال سياسى(‪.)201‬‬
                                                              ‫‪ zenship‬وليس واض ًحا – حتى الآن – ما إذا كان‬
‫وهكذا يبقى الجدل حول المواطنة بمثابة مرآة عاكسة‬               ‫بالإمكان أن تصبح رؤية المواطنة العولمية واق ًعا‪،‬‬
‫لتحولات العلاقة بين الدولة والمجتمع‪ ،‬ومعبًار عن‬               ‫وليس واض ًحا أي ًضا نوع نموذج المواطن العولمى‬
‫ص ارع الإ اردات بين أن تظل المواطنة امتياًاز فى يد‬            ‫الذى سوف يسود‪ .‬المتشككون يشيرون إلى أن الدولة‬
‫السلطة تمنحه لمن تشاء وتضن به على من تشاء‪ ،‬وأن‬
‫تصبح المواطنة تجسيًدا لنضال البشر فى التحرر من‬                ‫لديها قوة فى إبعاد فئات من الخارجين عبر ترتيبات‬
‫قيود السلطة وعدم المساواة والبحث عن عالم أرحب‬
‫من الحقوق الأكثر عدلاً والأكثر تطرًفا أي ًضا فى‬               ‫أمنية حول حدود الجنسية والإقامة‪ .‬أما المتفائلون‬
‫معنى الحرية الإنسانية‪ .‬لقد أصبحت ملحمة العولمة‬
‫تاري ًخا صادًقا ومعبًار عن نضال البشر من أجل نيل‬              ‫فإنهم يرون أن العولمة سوف تصبح أسا ًسا لإعادة‬
‫حقوقهم فى حياة أفضل وتوسيع حيز تلك الحقوق‬                     ‫تصور المواطنة من منطلق المواطنة العالمية‬
‫ليشمل أقصى ما يعبر عن السعادة والرفاه الإنساني‬
‫لكل البشر‪ ،‬مقابل محاولات السلطة المستميتة فى‬                  ‫واستخدام القانون الدولى لحقوق الإنسان(‪.)99‬‬
‫كل العصور وفى كل مكان على هذا الكوكب لتجديد‬
‫روحها ودمائها وأدواتها لتوسيع حدودها لإثبات أن‬                ‫هناك انتقادات موجهة للمواطنة العابرة للجنسية تشير‬
‫الحياة غير ممكنة دونها‪ ،‬وأن الشر وأهله فى هذا‬                 ‫إلى أنها مواطنة ذات طابع بدوى ‪ ،nomadic‬أى‬
‫العالم يكمن فى كل دعاوى التحرر من قبضتها‪ .‬مع‬                  ‫أنها ظاهرة متقلبة أشبه بتغي ارت الحياة البدوية فى‬
‫أن كل ما حققته الإنسانية من مكاسب‪ ،‬عبر تاريخها‬                ‫التنقل والترحال‪ ،‬خاصة وأن مطالب المواطنة عابرة‬
‫الطويل فى تحسن نوعية الحياة‪ ،‬كان تتوي ًجا للنضال‬              ‫الجنسية مرتبطة بالهجرة والمكانة الهشة للمهاجرين‪،‬‬
                                                              ‫وتسعى إلى تخطى الحدود الوطنية المتماسكة‪ ،‬كما‬
          ‫من أجل المواطنة وانت ازع الحقوق بشأنها‪.‬‬             ‫أن هذه الظاهرة "مرتبطة بشبكات غير رسمية من‬
                                                              ‫الق اربة والهجرة وموجات النزوح العابر للقوميات"(‪،)001‬‬
                                                          ‫‪52‬‬  ‫هذا يعنى أن الأطروحة التى تبشر بانتهاء عصر‬
                                                              ‫الدولة يقابلها آ ارء أخرى تشكك فيها‪ .‬الأطروحة‬
                                                              ‫المبشرة بالمواطنة العابرة للجنسية ترى أن ثمة تغي ارت‬
                                                              ‫سوف تؤدى إلى ضعف الدولة ككيان سياسى وأنها‬
                                                              ‫فى طريقها إلى التلاشى لتحل محلها كيانات أخرى‬
                                                              ‫بديلة للانتماء عابرة للجنسية أو كونية‪ .‬وفى مقابل‬
                                                              ‫ذلك يشير كل من ميرف ي ‪ Murphy‬وهارتى �‪Har‬‬
                                                              ‫‪ ty‬إلى أن العك َس هو الصحيح وأن الدولة سوف‬
                                                              ‫تستمر كفاعل مهم وأساسى فى الشئون الداخلية وفى‬
                                                              ‫العلاقات الدولية‪ .‬ثمة تغير حدث لدولة القرن الواحد‬
                                                              ‫والعشرين يتمثل فى أنها أتاحت للقوميات الصغيرة‬
   47   48   49   50   51   52   53   54   55   56   57