Page 28 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 28
لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا المجلس الأعلى للثقافة
ينطلق بورديو من فكرة أن التلفزيون يشكل أداة للقمع مجلــــــــــــــــة
الرمزي؛ نظًار للمستوى الثقافي أو المعرفي للمشاهدين
الذين يميلون إلى تصديق ما يعرض عليهم بعامة، وكان بورديو متعدد الاتجاه في النقد ،حيث جمع بين
وهناك عوامل غير مرئية تمارس الرقابة من خلالها عناصر نظرية ومنهجية تبدو ظاه ّرًيا متباعدة .فعلى
وتجعل من التلفزيون أداة لتثبيت النظام الرمزي؛ من المستوى النظري ،جمع بين تيا ارت فكرية تعتبرها
خلال التواطؤ بين المتلقين والذين يمارسونه ويصبح التقاليد الأكاديمية متنافرة (ماركس ،دور كايم ،فيبر)،
التلفزيون أداة غير ملائمة للتعبير عن الفكر وال أري؛ وجمع أي ًضا بين فلسفات متعارضة؛ مثل فينومينولوجيا
لأنه يعطي أهمية للتفكير السريع الغذاء الثقافي ميرلوبونتي وشوتز ،ونظريات اللغة عند لدى سوسير
وتشوسكي .وعلى المستوى المنهجي ،استطاع
السريع المقترن بأفكار مسبقة(.)22 بورديو أن يجمع بين الأدوات الكيفية لتحليل الخطاب
والوثائق وعمليات التفاعل الاجتماعي(.)20
وكان هدف بورديو إظهار تأثي ارت التلفزيون وما 1.1بيير بورديو وابتكار مفهوم العنف الرمزي :طور
ينتجه من ب ارمج وصور بعيدة عن الموضوعية ،وإنما بورديو عدًدا من المفاهيم من أجل صياغة تحليله
تعكس رؤية غير محايدة ،وذهب إلى أن التلفزيون لعلاقة القوة والسيطرة في الفضاء الاجتماعي ،ما
يعمل على تنميط المشاهدين ،وتعمل عملية التطبيع يهمنا منها مفهوم العنف الرمزي؛ ويعني به إجبار
على تسويغ الحياة الاجتماعية ويجعلها طبيعية، الأف ارد بالإضافة إلى تواطؤهم في ذلك .ويصف
وكأنها مسلمات بناها المجتمع فعلاً ثم أقلمها بورديو العنف الرمزي بأنه عنف غير مرئي وغير
لتصير شرعية ،ويصبح التلفزيون بهذه الصفة عامل فيزيائي ،يتم أسا ًسا عبر وسائل التربية وتلقين
المعرفة والأيديولوجيا ،وهو شكل غير محسوس
وهم(.)23 من العنف ،يمارس على الفاعلين بموافقتهم
وتواطؤهم؛ ولذلك فهم لا يعترفون به كعنف؛
وينتقد بورديو الحقل الصحفي من الداخل والخارج، بحيث أنهم يستدمجونه كبديهيات أو مسلمات من
ويركز على مقدمي الب ارمج من الصحفيين والمذيعين؛ خلال وسائل التربية والتنشئة الاجتماعية وأشكال
بد ًءا من طريقة الحصول على الخبر ومعالجته ،مروًار التواصل داخل المجتمع .ومن هذه ال ازوية ،يمكن
بالنشرة الإخبارية التلفزيونية التي يصفها بأنها منتج فهم – حسب بورديو – الأساس الحقيقي الذي
غريب ،ووصولاً إلى الب ارمج الحوارية التي تستضيف تستند إليه السلطة السياسية في بسط سيطرتها
أشخا ًصا لا علاقة لهم – غالًبا – بالموضوع المطروح وهيمنتها؛ فهي تستغل بذكاء التقنيات والآليات
للنقاش ولا يتساوون في معلوماتهم .وكيف أنه عندما التي يمرر من خلالها العنف الرمزي ،والتي
تكتب صحيفة معينة عن كتاب ،ستجد صحيفة ثانية تسهل عليها تحقيق أهدافها بأقل تكلفة وبفعالية
نفسها مجبرة على عرض الكتاب ذاته ،حتى لو كان
سخيًفا ،وكذلك الأمر عند الكتابة عن معرض فني أو أكثر(.)21
مسرحية(.)24 2.2بيير بورديو في التلفزيون وآلات التلاعب
بالعقول:
والأكثر أهمية وخطورة هو الدور الذي يؤديه مقدم
28