Page 26 - مجلة التنوير - ج2 - المجلس الأعلى للثقافة
P. 26

‫لجنة الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا‬               ‫المجلس الأعلى للثقافة‬

‫التاريخي؛ لارتباطها به أشد الارتباط حتى يتسنى‬                                                     ‫مجلــــــــــــــــة‬
‫لها ربط النظرية بالممارسة(‪)12‬؛ وهو ما مكنها‬
‫من أن تكون فلسفة اجتماعية هدفها نقد المجتمع‬             ‫من أشكال الإبداع والابتكار الناجم عن الاندماج‬
‫وتعريته من خلال نقد النظام القائم والكشف عن‬             ‫المعرفي بين علوم اجتماعية (علم الاجتماع)‪،‬‬
‫جوانب الخلل فيه‪ ،‬أو يعني تعرية المجتمع الصناعي‬          ‫وعلوم طبيعية (علم المعلومات)؛ لأن علم الاجتماع‬
‫البرجوازي وعقلانيته التكنولوجية وما يرتبط به من‬         ‫الرقمي يعتبر علم اجتماع فرعي جديد ينشغل بمسائل‬
‫أيديولوجية(‪ .)13‬واضح إذن كيف فعل أدورنو مدخل‬            ‫استخدام البيانات المجتمعة‪ ،‬تلك الموضوعات التي‬
‫العلوم البينية‪ ،‬وجمع في بحثه النقدي بين الفلسفة‬         ‫كانت محوًار للبحث في علم المعلومات لعدة قرون‬
‫(الجدل الهيجلي) وعلم الاجتماع (التحليل الماركسي)‬        ‫سابقة‪ ،‬وقد أعيد تجديد الدعوى للاهتمام بها من‬
                                                        ‫جانب بعض علماء الاجتماع الذين استطاعوا ابتكار‬
      ‫وعلم النفس (نظريات فرويد) ود ارسة التاريخ‪.‬‬        ‫فرص وتحديات أمام الباحثين في مجال المعلومات‪،‬‬
                                                        ‫وعملوا على إدماج نظريات علم الاجتماع ومناهجه‬
‫‪1.1‬تيودور أدورنو وابتكار مفهوم صناعة الثقافة‪:‬‬
                                                                                      ‫في هذا الصدد(‪.)9‬‬
‫استخدم هذا المفهوم لأول مرة في كتاب جدل‬
‫التنوير لأدورنو (‪ ،)1947‬وتناوله في كتابه “النظرية‬          ‫المبحث الثاني‪ :‬الابتكار في بحوث الإعلام‪:‬‬
‫الجمالية”‪ ،‬ونقده لطبيعة الحياة الاجتماعية في‬
‫المجتمع الصناعي‪ ،‬مركًاز على المجتمع الاستهلاكي‬                         ‫أولاً‪ :‬تيودور أدورنو والبحث النقدي‪:‬‬
‫وقدرته على تحويل الثقافة الحقيقية إلى ثقافة مصنعة‬
‫جماهيرية واستهلاكية‪ ،‬وكذلك استخدمه أدورنو‬               ‫يعد أدورنو واحًدا من أقطاب مدرسة ف ارنكفورت‪،‬‬
‫وهوركهايمر لإلقاء الضوء على الطريقة التي استولت‬         ‫درس في الفترة الواقعة بين ‪ 1950 -1949‬موضو ًعا‬
‫بها المصالح التجارية على الثقافة(‪ .)14‬وقد صكا‬           ‫مزدو ًجا في الفلسفة وعلم الاجتماع في معهد البحوث‬
‫هذا المصطلح تعبيًار عن فزعهما إ ازء ما حدث للثقافة‬      ‫الاجتماعية‪ ،‬وأخذ نجمه يسطع وأصبح رمًاز فك ّرًيا‬
‫الجماهيرية التي تعمل على توجيه إد اركنا لما هو‬          ‫أصيلاً في جمهورية ألمانيا الديمق ارطية‪ .‬وقد عرف‬
‫قيم ثقافًّيا‪ ،‬وكيف أن الثقافة الجماهيرية تحولت عن‬       ‫بمقاربته النقدية والجمع بين التحليل الماركسي‬
‫هذا الهدف وأخذت تساعد على انتشار الأيديولوجيا‬           ‫والفرويدي للمجتمع ال أرسمالي وثقافته‪ ،‬واشتهر‬
                                                        ‫بد ارسته التجريبية في حقل علم النفس حول الشخصية‬
                                        ‫الواهمة‪.‬‬
                                                                                          ‫التسلطية(‪.)10‬‬
‫واستعان أدورنو بمفهوم صناعة الثقافة في وصف‬
‫توسع ال أرسمالية في مرحلة معينة من م ارحل تطورها‪،‬‬       ‫إن الاتجاه النقدي الذي كان ينتمي إليه أدورنو‬
‫ومحاولتها فرض هيمنتها وسيطرتها من خلال تسليع‬            ‫يتمثل في تبني المنهج النقدي الجدلي‪ ،‬الذي هدف‬
‫الثقافة وبث أفكار تؤمن لها بقاؤها واستم ارريتها‪،‬‬        ‫من خلاله إلى التحرر والسعي إلى حل المشكلات‬
‫وتوضيح إنه إذا كان على السلع الثقافية أن تحقق‬           ‫التي تواجه الإنسان داخل مجتمعه حلاً عملًّيا(‪،)11‬‬
                                                        ‫وكذلك دمج النظرية بالممارسة‪ ،‬وتقديم نظرية نقدية‬
                                                        ‫للمجتمع تستطيع الوقوف أمام فكرة التسلط والعنف‪.‬‬
                                                        ‫وتعتمد النظرية النقدية على عدم إغفال تحليل الواقع‬

                                                    ‫‪26‬‬
   21   22   23   24   25   26   27   28   29   30   31